الخميس، 4 يونيو 2015

الاعراف والتقاليد والعادات القبلية-كتاب جبهة الاصلاح اليافعية5

كتاب جبهة الاصلاح اليافعية5

الاعراف والتقاليد والعادات القبلية



كتاب : جبهة الاصلاح اليافعية
تأليف : سالم عبد الله عبد ربه - مندعي ديان
الطبعة الاولى : 1992م


الاعراف والتقاليد والعادات القبلية .. وأسباب الفتن


    الاعراف والعادات والتقاليد القبلية وجدت عبر مراحل تاريخية مديدة الطول , حصلت فيها وتراكمت خلالها تبدلات سلبية وايجابية تبعاً لنوعية التغيرات التاريخية .. ولا يمكن تسويد أو تبييض صفحات الاعراف والعادات والتقاليد القبلية بحكم عشوائي مسبق لأن كل عرف أو تقليد أو عادة منها ربما تحمل في آن واحد جوانباً سلبية وجوانباً ايجابية .. وحسب اعتقادنا القائم على أن تطور الحياة والسير بالزمن إلى الامام يحمل تقدماً , فإن جوانبها الايجابية قد عززت تواجدها وتزايدت في حين تناقصت بإستمرار جوانبها السلبية , أي أنها وإن كانت متوارثة بقوة فقد خضعت عبر سريانها لزمن طويل للفرز والغربلة في واقع حياة قبائل المنطقة المتجدد .. إلا أن هذه النظرة العامة لا تعفينا من القول أن أخذنا للأعراف والتقاليد والعادات واحداً واحداً سوف يبين لنا أن بعضها , وهو جيد , قد تم التخلي عنه بالرغم من التطور العام .

    والحال أن الاعراف والعادات والتقاليد التي يمكن لنا ان نسميها " قوانين القبيلة " تتسم بالشمولية إذ لا تترك جانباً في الحياة القبلية إلا وتطرقه .. ونستطيع التأكيد على الصفة القانونية لها كونها المرجع والحكم الفاصل في شؤون القبيلة المختلفة ولأنها تحظى بالاجماع عليها من قبل كل أفراد القبيلة وكل القبائل , ولم توجد حالات عامة لرفضها أو تعديلها في العهود القبلية الا فيما ندر في التاريخ الماضي القريب .

    ولسنا هنا بصدد دراسة هذه الظاهرة التاريخية الهامة لفهم النظام القبلي في اليمن , ولا نملك القدرة على تناول كل عرف وتقليد وعادة وجدت لانها كثيرة جداً وتتشعب لتمس كل مناحي الحياة , وتتفرع بحيث يصف كل عرف أو تقليد أو عادة حالة ما بدقة وتفاصيل يطول شرحها .. لهذا ولكي نبقى ضمن اطار موضوع كتابنا فسنعطي فقط نماذجاً عن أهم الاعراف والتقاليد والعادات القبلية التي جاءت مرتبطة بواقع نشوب النزاعات والفتن القبلية ورؤية النظام القبلي لكيفية حلها وأسس الاصلاح القبلي .. والنماذج الرئيسية المختارة هي :-

1 – الحماية والحماية المشتركة


    أهم الاعراف القبلية ويقوم على اساس حماية القبيلة لكل عضو فيها عند تعرضه للاعتداء والواجب الملزم لكل عضو في حماية القبيلة, ويتقيد العرف بالإلتزام بالأعراف والعادات والتقاليد السائدة .. ويتم واجب الحماية بأولوية المستويات في النظام القبلي يبدأ بولاء حماية العائلة فالبيت ( عدة عائلات ) فالعشيرة ( الفخيذة ) فالقبيلة فجزء المكتب فالمكتب كاملاً .

2 – الشرف القبلي


    يقضي بأن يتمتع عضو القبيلة بالمحافظة على مكانته الرفيعة والافتخار بقبيلته وعدم تقبل أي اهانة أو انتقاص في سمعته أو حقوقه . ويجب على القبيلي أن لا يسمح بمس كرامته ومصالحه حتى بأدنى حد حتى وإن كلفه ذلك حياته أو دفعه لقتل غيره .. فإذا شتم القبيلي بكلمة سيئة اعتبر ذلك عاراً عظيماً يحط من مكانته كثيراً لدى الآخرين .. والشرف القبلي هو جوهر سيكولوجية القبيلة .

3 – الأخذ بالثأر


    لا يجب تنازل القبيلة عن اخذها بثأرها الا في حالات نادرة كدفع الدية أو الصلح . وثأر القبيلة لقتل أو ضرر لحق بها يظل معلقاً برقبتها لا ينمحي الا بـ " المخلص " أي بقتل فرد مقابل قتيل لها لدى قبيلة أخرى أو شابهه .. ومن عادات الأخذ بالثأر المتفرعة " النصرة " , وتستوجب عدم وضع شاهد " نصيرة "  على قبر القتيل من قبل قبيلته الا بعد أن تأخذ بثأره .. والأخذ بالثأر يشمل أموراً أخرى غير القتل كالاصابة بجرح أو خراب الأرض , أي ابادة مزروعتها .. وغيره .

4 – المسراح


    وهو نوع من اشكال الغزو حين تقرر قبيلة الهجوم على قبيلة أخرى فيتجمع رجالها ويذهبون جماعة واحدة حاشدة  ( يسرحون ) لمقاتلة القبيلة الأخرى المعادية أو تخريب مزروعات أرضها .

    وكان قديماً يوجد شكل أعم للمسراح يسمى ( المخرج ) وهو مسراح لقبائل يافع بأسرها يسمح لها بالمرور في اراضي كل يافع بغض النظر عما اذا كانت بينها فتنة وقتال .

5 – المخوه


    عهد اخاء بين قبيلتين تتعهدان فيه بحسن العلاقة وايجاد صلات اخوية طيبة بينهما , وعدم ايذاء أي منهما للأخرى .. وتتعهد كل قبيلة للأخرى بالمشاركة في الدفاع عنها إذا ما تعرضت للخطر .

    وأساس المخوه المشاركة في خير الأمور وشرها والثقة المعنوية المستندة على شرف التعهد العلني واشهاره للجميع . ويمكن للفرد أو الاسرة أن يؤاخي ( يعقد عهد اخوه ) مع قبيلة فإذا قبلت صار كواحد من افرادها .

6 – الفتنة


    نزاع مسلح بين طرفين -  مثلاً – بيتين أو عشيرتين أو قبيلتين لسبب ما ناتج عن فعلة شخص أو جماعة سواء عراك جاء عن خلاف , أو نزاع عن الأرض , أو مس بالشرف , أو غيرها من الأسباب المختلفة .

    وللفتن اعرافها كعدم ايذاء النساء من قبل الطرفين , ووقف القتال خلال شهر رمضان المبارك , ووقف اطلاق النار عند مقتل أحد افراد القبيلتين واثناء دفنه , وعدم التعرض للحيوانات الأليفة .. ومن الاعراف السيئة في الفتن محاصرة القبيلة للقبيلة الأخرى بعدم السماح لها بزراعة الأرض بوسائل عدة بما يعني فرض الحرب الاقتصادية عليها .

7 – الملم


    موقع متعارف عليه بين القبائل كمكان للتجمع في حالات الضرورة والخطر , وتتم فيه الدعوة إلى اللقاء عن طريق إطلاق أعيرة نارية في الهواء يحضر على صدى صوتها افراد وشيوخ وعقال القبيلة أو القرية .

    والملم يكون للقرية الواحدة أو قبيلة كاملة تقيم في عدة قرى أو " المكتب " أو سديسه " سدسه " أو ربعه .. وتعتبر كثافة الطلقات النارية المنطلقة من موقع الملم عن المدى الذي وصلت إليه أهمية وضرورة التجمع .

8 – الجاه


    عرف شائع استعماله في كثير من نواحي الحياة القبلية , وهو عبارة عن طلب الجاه لدى شخص معين بهدف تقبله لطلب ما مقدم إليه , كتعديل موقفه أو ترجيه لعمل شيء ما أو طلب المساعدة عنده الخ.. وهو أساساً أستعمال شخص لمكانته واحترامه لدى الآخرين أو لدى طرف في الخلاف أو المشكلة أو الفتنة معبراً عن رجائه برمي شيء ما من مغتنياته الشخصية إلى الفرد أو الطرف الآخر . ويكون الشيء اما لحافه أو معوزه ( سباعية ) أو شاله أو عمامته ( زينة رأسه ) أو خنجره ( جنبيته ) أو عصاه أو غيره .. وفي الحالات الكبيرة المعقدة قد يعمد طالب الجاه لاحضار ولده كتعبير عن ذلك .

9 – العروة


    من الاعراف غير المحببة لدى القبائل . وهي المجورة أو طلب الحماية لدى فرد أو عائلة أو قبيلة من فرد أو عائلة أو قبيلة لا تنتمي إليها .. والعروة يتم اللجوء إليها عادة بسبب ظلم وقع على طالبها أو هروبه تفادياً لشر يناله أو بسبب من خلاف هو الطرف الاضعف فيه , ويعبر عن طلبه للعروة بإيداع مبلغ رمزي أو جنبيته أو سلاحه لدى الجهة المتعروي عندها .

    وتتولى القبيلة أو العائلة المتعروي لديها تحمل المسؤولية الكاملة عن طالب العروة وحل مشكلته مع الطرف الآخر بتصرف كامل من قبلها , حيث لا يحق له التدخل في الحلول الموضوعية لحل قضيته .

10 – الربيع


    الربيع ( الرباعة – جمع ) هو انتقال شخص أو اسرة أو عائلة بقناعتها للعيش في منطقة أخرى تخضع لقبيلة أخرى طلباً للرزق أو هرباً من مشاكل أو لاسباب أخرى . ويشمل هذا الانتقال البقاء تحت مظلة القبيلة صاحبة المنطقة أو القرية المنتقل إليها .. والربيع ليس العروة فالعروة حالة مؤقتة يتم انهاؤها عند وضع حل للمشكلة ام الربيع فهو لجوء دائم وليس مؤقتاً ويتم بدوافع اقتصادية .

11 – التعذيل


    الاعلان عن العار ( والعار هنا ما يخالف دين محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتعارض مع الاعراف والتقاليد والعادات السائدة ) سواء كان قتلاً أو مساً بالشرف أو عملاً مشيناً أو قهراً قام به طرف ضد طرف آخر .

    والتعذيل عملياً هو إرسال امرأة من الجهة التي لحق بها العار إلى ملم القرية أو القبيلة ( مكان تجمعها عند الضرورة ) حيث تقوم هناك بالصراخ والبكاء وتقطع ضفيرة أو عدة ضفائر من شعرها أو تشد ثوبها وشعره متألمة امام القوم معلنة عن العار الذي وقع داعية إلى ازالته .

12 – المجبى


    الجباية هي قيام بعض أفراد شواذ من قبيلة ما بفرض مبلغ معين كضريبة على مرور الحمير أو الجمال في اراضي قبيلتهم والتي تخص افراداً من قبيلة أخرى معينة أو جميع القبائل بدافع الابتزاز أو إثارة فتنة قبلية .

    وتعتبر الجباية ظاهرة نكرة لدى عموم القبائل وعندما يمر أفراد القبيلة التي تقوم بالجباية في اراضي القبائل الأخرى يمارس معهم عرف يسمى ( الزقر ) وهو جباية كرد فعل على ما قام به هؤلاء وليس بهدف الحصول على الجباية .

13 – الخراب


    هو شكل من اشكال الفتن القبلية فإذا لم تستجب قبيلة بتلبية طلبات أخرى على نزاع معها , فمن الوسائل التي قد تلجأ إليها للضغط ارسال رجالها . للقيام بإبادة المزروعات في اراضي القبيلة المتنازع معها وإقتلاع الأشجار المزروعة مهما كانت مرحلة نموها . ويركز عادة في الخراب على المزروعات ذات المردود الاقتصادي الهام .. وهناك انواع أخرى منها الخراب حيث يتم احياناً قتل الماشية أو الابقار أو إلحاق ضرر بالمنازل أو حرق أبوابها الخشبية .

14 – العقيرة والنزيلة


    العقيرة هي الابقار والاغنام التي تجلبها قبيلة بصحبتها على قبيلة أخرى على خلاف معها لتذبح بمناسبة قدوم أفراد وفدها طلباً للصلح في ثأر عندهم أو طلباً لهدنة تتم بين الطرفين المتحاربين وما شابهها من حالات .

    والنزيلة عادة تتبع في طلب انهاء فتنة أو دفع دية ( فدية ) قتيل . وتتم بشكل احضار امرأة بكر أو مزوجة للمرة الثانية بصحبة العقيرة المذكورة آنفاً ويتم ذلك من قبل طرف القاتل للتأكيد عن تنازله لصاحب الحق والخسارة . وهي عادة متعلقة باظهار تدني الكرامة طلباً للصلح واظهار رفعة مكانة الطرف الآخر لدفعه للتنازل وقبول الطلب .

15 – المخلص


    ذكرنا في الأخذ بالثأر لانه جزء منه ولاهميته نوضحه أكثر ..هو ما تبتغيه قبيلة من قبيلة أخرى كقتيل مقابل قتيلها او مصاب مقابل مصابها , والمخلص المحرك الاساسي لمعظم الفتن القبلية وأكبرها , والتمسك به يكون سبباً في استمرار الحروب القبلية مدداً طويلة وحدوث خسائر متواصلة .

    وساد في فترات زمنية قديمة مبدأ " العين بالعين والسن بالسن " في نيل المخلص وكالعادة قتيل مقابل قتيل ومصاب مقابل مصاب الا انه في فترات أخرى ونتيجة للميل إلى قتل خيرة رجال القبائل وارفعهم مكانة , تم التخلي عن هذا المبدأ وصار لثقل القتيل ومكانته في القبيلة دور فإذا نالت القبيلة ( المخلص ) بقتل احد افراد القبيلة الأخرى ووجدت انه أقل شأناً وادنى مكانة من الشخص الذي فقدته فانها لا ترضى بالقتيل كـ ( مخلص ) وتبحث من جديد عن قتيل آخر " ثان " يساوي فقيدها قيمة ومكانة شخصية .. وهذا ما ادى إلى تفاقم الحروب القبلية نتيجة للخروج عن مبدأ مساواة عدد القتلى القديم العهد إلى مساواة نوعية القتلى ايضاً .

    والمعروف ان القبيلة التي قتل احد افرادها تبدأ بمحاولة تعقب القاتل وقتله إذا كان يساوي المقتول مكانة وشأناً وإذا لم تستطع تقتل أي فرد من القبيلة الأخرى بـ ( نفس المستوى ) .. والمشكلة الكبرى أن القتل يتم عشوائياً اثناء الاشتباكات المسلحة بين اعداد كبيرة من رجال القبيلتين المتنازعتين .. والحالات متنوعة وكثيرة .

16 – الدية


     دفع تعويض مادي مقابل تنازل الطرف الآخر عن حقه في الأخذ بثأره لقتيل له , ويتحدد مقدار ونوعية الدية حسب العرف السائد ( الاخذ بالشار ) أي اخذ شور والدي القتيل والاعتماد على رضاهما عن الحل المقترح .. ولتقديم الدية عادات وتقاليد خاصة بها كالعقيرة والنزيلة اللتين ذكرناهما .

    ومن العادات السيئة في طلب الدية لجوء اهل القتيل في معظم الاحيان إلى تحديد الارض الزراعية كشكل للدية , ليس حباً في المردود الاقتصادي ولكن تعمداً في الانتقام النفسي من القاتل واهله لأن الارض الزراعية شحيحة جداً في المنطقة واخذها كدية لا يقل الماً لدى صاحبها ( دافع الدية ) عن مقتل احد ابنائه .

17 – الاستنكار والاستنكاف

     الاستنكار عرف يعبر عنه بإعلان الموقف جهاراً , الموقف المعبر عن استنكار فعلة ما تتنافى مع الدين والاعراف ومرفوضة من قبل الجميع . ويعبر عنه ايضا ببعث وسائل مكتوبة إلى صاحب الفعلة .. وهو اشهار الاحتجاج على عمل ما بهدف فضحه وتحريض الناس على رفضه واستنكاره , والحالات التي تستدعي الاستنكار في الحياة القبلية كثيرة كإلحاق اذى برجل ضعيف طيب مسالم , أو كأن يقوم فرد أو قبيلة باستعمال القنابل أو المتفجرات في حربها مع قبيلة أخرى لان استعمال هذه الوسائل الحربية من الامور التي يوجب العرف استنكارها .

    اما الاستنكاف فهو مرحلة أعلى فهو اثارة الحماس ( الحمية ) لدى الناس عندما يقدم شخص أو مجموعة على جريمة شنعاء ( عار ) تستدعي عقابه من الكل , كأن يرتكب رجل وأمرأة جريمة الزنا فعندما تستنكف كل من قبيلتي الفاعلين وجميع الناس الفعله ويقومون بقتلهما .. والحالات التي تستدعي الاستنكاف كثيرة .. وعندما يتم الاستنكاف ضد شخص ما ارتكب جريمة يحرق منزله وتحرق املاكه ويسمى ذلك اليوم بـ ( اليوم الابيض ) .

18 – القبل


     لقاء مباشر , وجهاً لوجه , بين بيتين أو قبيلتين أو مكتبين .. جهتين بينهما حرب أو فتنة , يهدف إلى التشاور بينهما وتبادل وجهات النظر بشأن حل المشكلة المتنازع عليها . ويمكن أن يكون القبل في مكان محايد يحدده الوسيط بينهما ويمكن ان يكون قرية تتبع احدهما .

    ويبدأ القبل بـ ( الدفيرة ) وهي اطلاق نيران رصاص البنادق في الهواء دفعة واحدة كعادة تشير إلى التحية والترحيب .. وللقبل عادات وتقاليد متبعة .

19 – رد الوجه والوفاء


    حين يرتكب احد افراد القبيلة خطاء ً أو تصرفاً أو شتماً مشيناً لابد أن تقوم القبيلة برد وجه إلى من ارتكب الخطأ أو الفعل السيء أو الشتم بحقهم تفادياً لتفاقم المشكلة .. فتجيء إلى القبيلة المراد ( رد الوجه ) لها معتذرة ومعها عقائرها ( ذبائحها ) كتعبير عن رد شرف لمن مس الفعل المشين حدودهم وشرفهم .. وفي الحالات الحادة يشترط لرد الوجه العمل بقاعدة : " رد المثيلة بمثلها " .

    والوفاء كرد الوجه تعبير عن الاعتذار لما بدر من خطأ أو التعويض عن ما ارتكب من فعل سبب خسارة .. وهو يتصل بالاخطأ والافعال التي تسبب خسائر معنوية ومادية يمكن تعويضها ويسمى نوع ومقدار التعويض الذي تتحمله القبيلة بـ ( المغرم ) أي الغرامة .

20 – الوساطة


    معروفة , وهي توسط طرف لحل نزاع أو خلاف بين جهتين لم تتمكنا من التفاهم المباشر وللوساطة في العرف القبلي عادات وتقاليد أصيلة منها ان تتكون مجموعة الوساطة من عدد لا يزيد عن الستة يقومون بالوساطة بين القبيلتين المتنازعتين كعمل خير دون مقابل .. وهذا الشكل الاولى يليه شكل ( وساطة المجلس ) ويكون عدد مجموعة الوساطة هنا بلا تحديد , وتقوم كل جهة من الجهتين المتنازعتين بأختيار الافراد الذين تثق بهم لتمثيلها في المجلس على اساس تقاسم الجهتين لمجموع اعضاء مجلس الوساطة بالتساوي .

    ويتنقل مجلس الوساطة بين بيوت الطرفين المتنازعين ويمكث عندهم بقوامة الكامل مهما كانت التكاليف التي تكلفها الذبائح والموائد الالزامية طوال اليوم وخلال الايام التي قد تطول للمكوث لدى كل طرف وبالتساوي .. ولا يكفي هذا بل يتفق مقدماً على اجر محدد يتقاضاه كل عضو في المجلس الوساطة مقابل كل يوم من الايام التي يستمر فيها عمل المجلس متنقلاً بين ديار الطرفين .. ويتسع شكل الوساطة هذا ( المجلس ) لحل الفتن القبلية الكبيرة والمستعصية لان التكاليف الباهظة التي يتحملها الطرفان المتنازعان نوع من الضغط المادي على كلا الطرفين ربما يقرب من مواقفها ووجهات نظرهما عن الحل وستدفع خسائرهما المادية إلى الاستعجال في البحث عن مخرج وقبول الحلول الممكنة المطروحة من قبل ( مجلس الوساطة ) .

    تلك أهم الاعراف والعادات والتقاليد القبلية المتعلقة بين القبائل وهي جزء هام من ما يمكن تسميته بـ " قوانين القبيلة " وقصدنا من توضيحها للقارئ ادراك حالات نشوب الفتن وأسبابها , والاصلاح كجزء وجد في صلب النظام القبلي ومعرفة ذلك الدمار الذي احدثته الحروب القبلية على الرغم من أن بعض الاعراف والتقاليد والعادات القبلية ايجابية وهي وان حدت إلى درجة كبيرة من توسع الفتن القبلية وتأججها فانها لم تستطع القضاء عليها نهائياً , لان المسألة لا ترتبط فقط بتلك الاعراف والتقاليد والعادات بدرجة رئيسية بل بمدى تفاعلها والعمل بها في واقع الحياة الذي كان متخلفاً .. ويجب علينا الادراك عند دراسة واقع التطاحن القبلي في منطقة يافع في العهود الماضية ان الاعراف والتقاليد والعادات التي كانت سائدة حصيلة لطابع عيش استمر مئات القرون تغلبت فيه احياناً الجوانب السلبية فيها وفي احيان اخرى فعلت الجوانب الايجابية فعلها تبعاً لتعامل الناس مع الاعراف والتقاليد في المرحلة التاريخية المعنية .

يتبع

تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 15 مايو 2012 الساعة: 09:26 ص

الأحد، 24 مايو 2015

الحياة القبلية-كتاب جبهة الاصلاح اليافعية4

كتاب جبهة الاصلاح اليافعية4


الحياة القبلية


كتاب : جبهة الاصلاح اليافعية
تأليف سالم عبدالله عبدربه - مندعي ديان
الطبعة الاولى 1992م


الحياة القبلية

    الحياة القبلية محصنة لكونها تنشأ وتقوم على واقع اقتصادي متخلف تعتمد فيه كل أسرة على حياة اقتصادية شبه مستقلة , وتبقى هذه الحياة دون تطور لإن الحداثة  لا تمسها ( طرق , كهرباء ..الخ ) وتصبغ العلاقات الاجتماعية بالعزلة وعدم احتكاك المنطقة بالمناطق المجاورة فتبدو كجزء منفصل داخل الجسم الواحد , المجتمع الواحد ويمثل غياب السلطة المركزية حلقة أخرى في طابع العزلة اذ أن اشكال السلطة في الحياة القبلية ضعيفة جداً وغير قادرة على انهاء الفتن بين القبائل أو افراد القبيلة الواحدة مما يجعل الاقتتال والحروب صفة ملازمة للحياة القبلية .

    وفي تناولنا لتاريخ جبهة الاصلاح اليافعية يستحيل إدراك أسباب نشوئها وتقييم تاريخ تطورها دون المرور بتوطئة تسلط الضوء على الحياة القبلية في منطقة يافع , وقبل أن نحاول تفصيل ما جاء في الاسطر الماضية اعلاه نورد وصفاً للحياة في منطقة يافع نعتبره شيقاً ومفيداً لمعرفة بعض جوانب حياة المنطقة قبل 53 عاماً حيث يصف الكاتب صلاح البكري في كتابه " في جنوب جزيرة العرب " الصادر عام 1947م . ما نرمي إليه بإسهاب ولكننا نقتطف الفقرة التالية فقط : -

    ( قبائل يافع سواء في المناطق العليا أو السفلى لا تزال تحتفظ بالصفات العربية كالكرم وحماية المستجير والدفاع عنه , والجهل ضارب أطنابه في طول البلاد وعرضها , والنساء سافرات الوجوه , والعفاف والحياء  من أهم مزاياهن , ومن العيب أن تذكر المرأة أي شخص ولو كان قريبها بالقوة أو الجمال , وهن يشاركن الرجال في فلاحة الأرض وزراعتها وتربية المواشي والدواجن , وقد يشاركنهم ايضاً في الحرب ويعتمد محور القرابة عندهم على ناحيتين : النظام الأمي والنظام الأبوي مع ارجحية ناحية الأب على ناحية الأم , ووصلت الأسرة عندهم إلى أضيق نطاقها فأصبحت لا تشمل الا الزوج والزوجة وأولادهما ما داموا في كنف الأسرة , غير أنه لا تزال توجد لديهم رواسب من النظم القديمة , فكل فرد ينتمي إلى أسرتين عامتين : هما أسرة عمومته وأسرة خؤولته , ويرتبط افراد كلتيهما بطاقة كبيرة من الروابط الاجتماعية والقانونية وبكثير من الحقوق والواجبات , وذلك إلى جانب انتمائه إلى أسرته الخاصة الضيقة التي تتألف من أبوية وأولادهما , وإجراءات الزواج عندهم مبسطة , وسلطة الآباء على الأبناء لا حد لها , وتخضع الزوجة لزوجها خضوع الامة لسيدها ولا تطلب الطلاق من زوجها مهما كانت معاملته قاسية , ومتى طلقت يصبح أمر زواجها في يدها , ولكن ليس لها أن تختار الا بعد موافقة  أبيها أو من يقوم مقامه , وهذا عكس البنت البكر فلا يؤخذ رأيها عند زواجها , وزواج ابن العم من ابنة عمه له المقام الأول حتى ولو كان أحدهما غنياً والآخر فقيراً , وهذه الاوضاع الاجتماعية تكاد تكون موجودة عند جميع القبائل العربية , والحماة من أكبر الاسباب لتوطيد الروابط وتوثيق الصلة بين الزوجين , وتعطف كل العطف على زوج ابنتها , وهذا عكس ما نشاهده في مصر , فإن الحموات يتدخلن في كل شيء يتعلق بشؤون ازواج بناتهن , ومن هنا ينشأ الخلاف بين الزوجين ذلك الخلاف الذي كثيراً ما يؤدي إلى الطلاق , أما الثقافة فلا اثر لها هناك البته , ولهجة اليافعيين غامضة وهي لا تختلف كثيراً ولا قليلاً عن لهجة سكان المحميات التسع ماعدا حضرموت , فإن لهجة الحضارم واضحة كل الوضوح لا سيما في الحواضر , وتشبه كثيراً لهجة المصريين في الصعيد .

    ويوجد بينهم شعراء واشعارهم مزيج من العامية والفصحى , وتكثر الاغاني الشعبية في المواسم , وكثيراً ما تنتقل اغانيهم إلى البلدان المجاورة لهم كلحج والفضلي ولكنها لا تحمل شيئاً من صفات الخلود فسرعان ما تختفي وتحل محلها اغان جديدة , وكل اشعارهم واغانيهم تتناول المدح والغزل ووصف الشجاعة والبطولة ) . ص 28و29 .

    تلك لقطات عن الحياة الاجتماعية أما اذا أخذنا الحياة السياسية للقبيلة في المنطقة فإنها تدار من قبل ثلاث سلطات تشكل في مجموعها منظومة سياسية يحيا في اطارها افراد القبائل المتعددة , والسلطات الثلاث وهي : -

    1- سلطة القبيلة : تتمتع بأقوى تأثير على عضو القبيلة لاستنادها المباشر على الاعراف والعادات والتقاليد القبلية التي تسير مجمل شؤونها وتمثل الالتزام الاساسي لكل فرد من افرادها في اداء واجباته داخل الاطار العام وهو – الفرد – ملزم بتلبية داعي القبيلة والذود عن كيانها , وهي ايضا ملزمة بحمايته والدفاع عن مصالحه اذا ما تعرضت لأي اعتداء من فرد أو قبيلة أخرى , أي أن سلطة القبيلة بالنسبة لاعضائها سلطة مادية وروحية ضرورية في الحياة .

    وتمارس سلطة القبيلة من قبل شيخ القبيلة وعقال الفخائذ ( العشائر ) وشيوخ القرى وكبار رجال العائلات . وتتسع سلطة القبيلة في اطار أعلى يجمع عدداً من القبائل هو ( المكتب ) تربطها الأرض الواحدة والنسب الواحد , لكن لا يمارس شيخ المكتب سلطة فعلية لأنه يستمد سلطته من قبيلته الاصلية التي هي واحدة من قبائل المكتب قد تكون الاقوى من بينها أو الارفع شأناً .

    2 – السلطة الدينية  : تقوم على المكانة العميقة الأثر والواسعة للدين الاسلامي الحنيف في المنطقة , وقد أسهمت في اخراج القبائل من العنجهية والوحشية وخففت إلى اقصى حد من الحروب والاقتتال المستمرين . وكان استحواذ اولياء الله الصالحين والدعاء ( السادة ) على مركز الصدارة – عند انتشار الاسلام وفي مراحل متقطعة أخرى – في بنية السلطة السياسية لحياة القبيلة , ولكن يبدو أن هذه المكانة تضاءلت في القرون الأخيرة ولم يبق منها سوى دور غير فعال لدى " السادة " – وهيبة روحية كبيرة لأضرحة الاولياء الصالحين المنتشرة بكثرة في القرى والوديان وعلى قمم الجبال وذكرنا سابقاً أن الفضل في انشاء سلطنة " آل هرهرة " يعود إلى الداعية الديني الشيخ ابوبكر سالم مولى عينات وأن الكثيرون يرجحون أن مؤسس سلطنة " آل عفيف " الشيخ عبدالله بن أسعد ( عفيف الدين ) داعية وعلامة ايضاً , ومن المؤكد أن دور السلطة الدينية تضاءل في الازمنة الماضية الأخيرة اما بسبب تدهور أساليب القائمين عليها وعدم قدرتهم على التأثير , واما عن طريق سحب السلطنات صلاحيات سلطوية لها كانت أصلاً من مهام دعاة الدين ( السادة ) .

    3 – سلطة السلطنة : وهي حديثة العهد مقارنة بالشكلين السابقين , ولا يستمد السلطان سلطته من قوة قبيلته لانه لا ينتمي إلى قبيلة , أو من قدراته العسكرية والاقتصادية لانها متواضعة جداً , ولكنه يستمد سلطته من كونه الحكم أو المرجع الأعلى لجميع القبائل التي تكون عادة مختلفة مع بعضها , ويمارس نفوذه مهدداً أي قبيلة تخرج عن طوعه بالقبائل الأخرى واثناء ذلك يخترق سلطة القبيلة المعنية كلما كان ذلك ممكناً ويحجم عنه اذا استشعر صعوبة ذلك أو عدم موافقة القبائل الأخرى على موقفه أو حكمه , لذا يمارس السلطان حكمه بالشورى مع مشائخ المكاتب والقبائل .

    وتراوحت سلطة السلطنة بين الضعف والقوة تبعاً لعلاقتها بسلطة القبيلة في الظرف التاريخي السائد فكانت تقوى عند إجماع القبائل على رأي وموقف واحد وتضعف عند حدوث الانقسامات والفرقة , وعندها تنكمش سلطة السلطنة وتصل قوة سلطة القبيلة إلى اقصاها .

    وتتجسد السلطات في الحياة القبلية اقتصادياً من خلال ( العُشر ) المفروض تحصيله كنسبة ثابتة من مجموع منتوج الأرض الزراعية وعلى غيرها , وهو تسمية ونسبة معبرة عن الضريبة المحددة للسلطة وإن كانت لا تخضع لحسابات دقيقة وكانت أحياناً اشبه بالزكاة وهي اشبه ما تكون بـ " الضريبة الطوعية " حيث يقوم شيخ القبيلة بتحصيل 10 بالمئة من أجمالي ما انتجه كل فرد في قبيلته ويؤخذ جزء متفق عليه من الكميات المحصلة ويسلم ما تبقى , وهو الحصة الأكبر إلى السلطان ويخصص جزء من الكميات المستلمة ليجمع في بيت عام ثم ينقل مجتمعاً إلى عينات " بوادي حضرموت " مسقط رأس الشيخ ابوبكر سالم والتي ظلت مركزاً لادارة السلطة الدينية في يافع بسلطنتيها , ضعف في العقود الأخيرة وبالتالي تضاءلت الكميات المرسلة لكنها لم تتلاشى حتى منتصف الستينيات وكانت تنفق على مراكز العلم .

    وتوغلاً في الحياة الاقتصادية للقبيلة فلا شك أن شكل الملكية الخاصة هو السائد في القبيلة منذ القدم , وشكل الملكية العائلية الخاصة للذكور فقط شائع حتى اليوم نتيجة للتمسك العائلي القوي بالأرض كمصدر رئيسي وحيد للعيش , بالاضافة إلى ان شحة الأرض وقلتها جعلت تقسيم الأرض بين ابناء العائلة أمر غير ذي فائدة اقتصادية وبالتأكيد يوجد بعض المشائخ والعقال والتجار والسلاطين وتوجد لديهم اراضي زراعية أوسع من غيرهم ولكنها لا تضعهم حتى بالقرب من شبه الاقطاع لان الأرض قليلة جداً في المنطقة وتمسك المواطنين بالأرض قوياً جداً , والفلاحة في المنطقة قاسية حيث تحتاج طبيعة الأرض ونوعية المزروعات وكيفية الري عملاً شاقاً , ولهذا وجدت علاقات الاشتراك ( المشاركة , الشراك ) حيث تسلم الأرض من قبل المالك إلى أحد الفلاحين للقيام بأعمالها كاملة على أساس تقاسم المحصول بينهما الذي يتم بنسبة المناصفة غالباً لكنه يخضع عرفأ وقانوناً للاتفاق بين الطرفين .

    إن أوضاع الملكية هذه تبدو عادية في الحياة القبلية أو غيرها ولكنها تملك خاصية تتسم بالحدة يمكن التدليل عليها من خلال ادراك أن الملكية في النظام القبلي لا تشمل الأراضي الزراعية في الوديان والمدرجات الجبلية فقط بل وتشمل تملك الافراد والعائلات والقبائل للوديان المغفرة والاشجار وآبار المياه والشعاب ومعابر السيول العليا والدنيا والسواقي الصغيرة وحتى الجبال . ويصبح الاطار الأعلى لهذه الملكيات الصغيرة مساحات تملكها القبيلة ثم اطاراً أعلى لها وهي المساحات التي يقوم عليها كل مكتب قبلي , وإن وجد تداخل بين أي من هذه الكيانات فهو طفيف , وبإختصار , فإن كل متر مربع في منطقة يافع تؤول ملكيته بدقة إلى  فرد او عائلة أو قبيلة ما عدا بعض المساحات المشاعة أو الآبار العامة ( المنهل ) والتي يوجد اجماع تام على انها ملكية عامة وليس من حق احد السيطرة عليها .

    واذا بحثنا سنجد أن طبيعة المنطقة الجغرافية الوعرة والقاسية وقلة الأرض الزراعية فيها مصاحبة لمناخاتها الطيبة وجودة محاصيلها وطيبة العيش فيها افرزت حياة اقتصادية صعبة ومليئة بالتناقضات الأمر الذي ترتب عليه وجود أشكال الملكية الخاصة – الفردية والعائلية – البالغة الدقة في تملك الأرض الزراعية واللازراعية وكل ما عليها بما في ذلك حتى تقاسم السيول , فأصبح هذا الحال الاساس المادي للتطاحن المستمر فيما بين القبائل والعائلات والافراد تغذية اوضاع الفقر والعوز والجفاف الذي يأتي احياناً ليطحن الناس بلا رحمة .

    هذا الوضع الصعب يزداد صعوبة اذا ما راعينا أن عضو القبيلة يلتزم بواحد من أهم اعراف الحياة القبلية وهو الدفاع عن الملكية الخاصة في عدة مستويات , فهو يستميت في حالات المس بملكيته الفردية أو العائلية , وفي حالة المس احد افراد الفخيذة ( العشيرة ) , وواجب عليه ايضاً الدفاع عن ملكية أفراد القبيلة في حالة تعرضها لخطر من قبيلة أخرى , هذه الالتزامات القتالية المتعددة للدفاع عن الملكية تبين لنا الارضية الخصبة لاشعال الفتن والاقتتال التي تغذيها باستمرار فتجعلهما تخيمان على الحياة القبلية لتشمل أكبر عدد ممكن من افراد القبائل إلى اتونهما , وما يترتب على كل هذا من سلبيات على تكوين وعي افراد القبائل ونفسياتهم وسلوكهم .

    والفتى في النظام القبلي في يافع يربى منذ سن مبكرة بصفات الرجولة كالشجاعة والاقدام والصدق , وغيره ولكنه إلى جانب ذلك يعلم على اجادة العراك بالايدي وبالحجارة وبالعصي وبالسلاح الابيض والناري . انه كغيره من افراد القبائل يربى بروح فداء القبيلة والذود عن مصالحها كما لو كانت مصالحة الشخصية , وللرجل مكانة أرفع كثيراً من مكانة المرأة في النظام القبلي الذي كان سائداً في المنطقة ولكن الحاق أي اذى بها يعد عاراً لا يمحى , وبمعنى آخر فإن الفتى حين يربى في ظل حروب قبلية عنيفة يعد ليصبح رجلاً يقاتل بإخلاص مع قبيلته كواجب لا يمكن التفريط به لأن القبيلة عند تخليه عن الواجب المذكور ستفرط به ولن تحميه من أي ضرر أو ظلم لحق به , هذا هو الوضع الطبيعي لأي فرد من اعضاء القبيلة في الفترات الماضية بسبب ما سادها من حروب وجهل وفقر واحوال متردية دفعت حتى الافراد اللا قبليين ( الذي لا ينتمون إلى قبيلة ) إلى عدم القدرة العيش بسلام والالتجاء للعيش في كنف قبيلة ما توفر لهم الحماية والأمان .

    كان التذبذب سمة غالبة للحياة الاقتصادية للمنطقة في ظل النظام القبلي ولم تؤثر الهجرة الواسعة والمستمرة ايجابياً على الوضع الاقتصادي , بل بالكاد اسهمت في سد رمق العيش لجزء من الاسرة وما دون ذلك ظل على ماهو عليه , ولذلك لم تظهر انماط متطورة في الانتاج وظل نمط الانتاج العائلي هو السائد في الحياة الاقتصادية حيث يعتمد افراد العائلة الواحدة الكبيرة على محصول الأرض اليسير وتربية الماشية والدواجن وحتى أن البقرة كانت عدة في المنزل لابد من وجودها , ولا تحتاج العائلة أو الاسرة إلا إلى قليل من المتطلبات من خارجها فتلجأ إلى المقايضة للحصول على الحاجيات المحلية غالباً بما يفيض عن حاجة استهلاكها , واذا تعدى الفائض الحاجة والمقايضة بيع في المتاجر أو الاسواق الاسبوعية , وكانت العملة السائدة حتى منتصف الستينيات الريال الفضي النمساوي " ماريا تريزا " ويسمى محلياً " ريال فرنصة " . وهو وقية فضة صكت على شكل دائري أصدرته كعملة ملكة النمسا " ماريا تريزا " عام 1790م . ولا زال يستخدم كعملة صعبة حتى الآن ويوشك على الانقراض التام .

    كانت المنطقة تحقق اكتفاء شبه ذاتي ولم تكن السلع التي تورد اليها من عدن الا تكملة تمثل ضروريات للحياة لايمكن تصنعيها محلياً كالكبريت وانواع من الاقمشة والجنابي ( الخناجر ) العالية النوعية والبنادق وذخائرها . ويمكن القول ان يافع حتى الاربعينيات من القرن الحالي كانت تعتمد على منتجاتها المحلية في تلبية حوالي 95 بالمئة من متطلباتها المادية , وساعد ذلك في الحفاظ على أشكال العمل الانتاجي التقليدي فيها من جهة وعزلتها وترسخ النظام القبلي فيها من جهة أخرى .

    لقد هدفنا من العرض اعلاه الموجز لأهم جوانب الحياة القبلية الانتقال المنهجي إلى جانبين هامين يساعدانا على التلمس المباشر لظروف نشأة الاصلاح كظاهرة تقدمية ثورية هما : -

        اولاً  : بعض الاعراف والتقاليد القبلية التي كانت سائدة ولها صلة بنشوب القتال بين القبائل ومحاولات اخماده .

       ثانياً  : اشكال الفتن القبلية ذاتها ومضامينها وكيفية حدوثها مع تبين أهم الاسباب التي تؤدي إلى تفجرها وتوالدها .

يتبع

تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 7 مايو 2012 الساعة: 07:36 ص


الجمعة، 27 مارس 2015

تطور النظام القبلي في المنطقة-كتاب جبهة الاصلاح اليافعية3

كتاب جبهة الاصلاح اليافعية3

تطور النظام القبلي في المنطقة 


كتاب : جبهة الاصلاح اليافعية
تأليف : سالم عبدالله عبدربه - مندعي ديان
الطبعة الاولى 1992م


تطور النظام القبلي في المنطقة

       
    مثلما توجد بذور الفتن في النظام القبلي توجد أيضا بذور الإصلاح , ولا يمكن إدراك جوهر المقولة الواردة دون مسح لتطور النظام القبلي . ولأننا لا نملك معلومات كافية عن النظام القبلي في اليمن كإطار عام فأننا نمضي في تناول النظام القبلي في منطقة يافع كنموذج مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا النموذج ذو صلة مباشرة بكتابنا .

    لا يوجد اهتمام , حتى الآن بدراسة النظام القبلي في المنطقة وتاريخها بشكل عام وعُلل ذلك في العقدين الماضيين بأنه ميل مرفوض إلى المناطقية والقبلية . وقد أدى افتقادنا إلى معرفة تاريخ كل منطقة إلى الافتقار إلى معرفة تفاصيل تاريخ اليمن بشكل عام ولهذا فإن معظم المصادر قديمة وتعتمد في تاريخ المناطق على الحسب والنسب من دون تحليل علمي , وهكذا يقع الباحثون في هذا المطب واحداً بعد آخر .

    يشير أحمد فضل ( القمندان ) في كتابه المشهور " هدية الزمن في تاريخ ملوك لحج وعدن " إلى أن ابوالعباس بن علي نورالدين المالكي الحسيني الموسوي في الجزء الثالث من رحلته المكتوبة المسماة : " نزهة الجليس ومنية الأديب المنيس " قد بين ( ضمن نص مطول أورده القمندان ) بأن يافع هي ( القبيلة المشهورة من قبائل حمير الأكبر , سبأ الأكبر بن يشجب بن يعرب بن قحطان ) ..أما الكاتب صلاح البكري الذي استند اساساً إلى مراجع مصرية فيورد في كتابه " في جنوب الجزيرة العربية " أن يافع ( هم سلالة يافع بن يزيد بن مالك بن رعين الحميري , ومنهم مبرح أبن شهاب بن الحارث بين ربيعه بن سعد بن شرحبيل بن حجر بن عمرو ابن شرحبيل بن عمر بن يافع الرعيني الصحابي , وهو أحد وفد رعيني الذي هبط مصر وكان ميسرة عمرو بن العاص يوم دخل مصر ) , ولسنا بحاجة إلى الاستطراد في مراجع الحسب والنسب فمعروف أن القبائل اليمنية ترجع نسباً إلى قحطان وتنقسم إلى قسمين بحسب النسب ايضاً إلى أولاد سبأ : حمير وكهلان . ويافع احدى قبائل حمير .. وان ما يهمنا جانباً محدداً فيه الا وهو الرؤية لذلك التاريخ من زاوية نشوء النظام القبلي وتطوره في المنطقة .

    وحتى هذا الأمر يصعب علينا تناوله نتيجة لشحة المصادر والتحليلات التاريخية ووقوع معظمها اما في موقف التأييد أو التزمت للقبيلة أو موقف العداء والرفض المطلق لها , وتنعدم الرؤية العلمية المحايدة , ولكن لا بأس أن نحاول التعرض لتطور النظام القبلي في المنطقة بمقتضى رؤيتنا الخاصة مع الاجتهاد في تسطير بعض الأفكار والتحليلات العامة المتعلقة بنمو القبيلة في المنطقة كنمط اجتماعي اقتصادي سياسي للحياة فيها كجزء من الوضع الذي ساد في ماضي اليمن .

    جاء في ملاحظات لباحثين تاريخيين عارفين بأسرار النقوش أن النقوش السبأية القديمة شملت تماثلاً لاستخدام كلمتي : قبيلة , شعب , وعدم التفريق بينهما . وجاء في ملاحظات مؤرخين آخرين إلى أن القبيلة ( شعب صغير ) ولعل مجمل الملاحظات تؤكد ما يراه علماء التاريخ من أن القبيلة نشأت كجماعة صغيرة مكونة من عدة عائلات تربط فيما بين افرادها رابطة العرق والجنس كأساس للروابط الاخرى كاللغة والعادات والتقاليد والديانة وغيرها . وكان عهد نشأتها أواخر مراحل المجتمعات المشاعية البدائية التي شهد فيها بدايات تفسخه , ولا نعتقد ان اليمن قد شهدت مجتمعات الرق الذي يحدد المؤرخون سمتها الأساسية بانقسام المجتمع إلى طبقتين رئيسيتين : الأسياد والعبيد إذ حالت روابط القبيلة دون ذلك على الرغم من هيمنة القبائل الكبيرة على الصغيرة والتي تصل إلى حد الإخضاع لا إلى حد الاستعباد الكامل وما مظاهر العبودية التي بقيت حتى منتصف الستينات , في بعض المناطق سوى حالات معدودة تم فيها جلب أعداد قليلة من العبيد من افريقيا .

    وتؤدي بنا النظرة المتفحصة إلى واقع حياة منطقة يافع الماضية إلى استشاف بعض التوقعات التاريخية الهامة , فإذا ما استثنينا فترة الحياة القرمطية والتي لم يتجاوز عمرها الثلاثة عقود فإن المجتمع اليمني انتقل من المشاعية البدائية إلى الاقطاعية دون المرور بمرحلة مجتمع الرق لأن العلاقات القبيلة بأوجهها الاجتماعية والسياسية والاقتصاد تحرم استعباد فرد القبيلة المنتمي اليها بالحسب والنسب وليس بما يملك انطلاقاً من شرف القبيلة الذي لا يقبل حتى شتيمة في حقها , ولكن في الوقت الذي ينعم فيه كل اعضاء القبيلة بحقوق الحماية والتمييز فإن إنتقاص الحقوق من نصيب من لا ينتمون إلى قبيلة وليس لهم حسب ونسب ( أصيل ) فيعاملون وفقاً لتقاليد معينة تجعلهم اقل مرتبة من القبيلي , ولا توجد احصاءات ولو تقريبية عن نسبة اللا قبيليين إلى القبائل ولكنهم اقل بكثير لانهم عبارة عن جماعات نازحة . ومن كل ما ورد يتضح لنا أن المنطقة لم تشهد علاقات الرق والعبودية ولكنها شهدت علاقات تمييز واخضاع لصالح القبيلة ككل على ما هو غير قبيلي ولصالح القبائل الكبيرة والعريقة والقوية عن سواها من القبائل .

    والاستثناء من هذه النتيجة – القاعدة – هم السادة الذين لا ينتمون إلى أي قبيلة ومع ذلك يحظون بمكانة اجتماعية رفيعة كونهم دعاة دين وممثلين للسلطة الروحية ولا يعرف , ولا يعرف ما اذا كانت بعض عاداتهم كتحجيب النساء وعدم تزويج بناتهم مطلقاً لافراد القبائل او غيرهم ناتجة عن التوعظ والهروب من مشاكل القبائل ام ترفع عرقي واجتماعي , ومع ذلك فليس لهم امتيازات اقتصادية مؤثرة وتنحصر رفعة مكانتهم في الناحيتين الاجتماعية والروحية .

    إن دراسة النظام القبلي بدقة وتفصيل تحتاج إلى عمل منفصل قائم بحد ذاته والافكار التي اوردناها قصدنا بها التأكيد على أن النظام القبلي في اليمن , الذي انهارت بنائه القديمة في المدن وبعض انحاء الريف , هو حصيلة تطور تاريخي طويل الامد واطار يملك بطبيعته قدراً وافراً من المرانة والتكيف والاستيعاب للمتغييرات ولهذا انعكست فيه , سلباً وايجاباً , مجمل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والعادات والتقاليد والاعراف التي عبرت عن الانماط الاقتصادية الاجتماعية السياسية لحياة المجتمع كالمشاعية البدائية والقبلية في مراحلها الاولى والقرمطية والاقطاعية وشبه الاقطاعية وما شابها من صراع اجتماعي وتقاتل قبلي .. الخ .

    ويعطي النظام القبلي الذي ساد في منطقة يافع نموذجاً فريداً لان عراقته تواصلت دون تقطع نتيجة لعاملين رئيسين : اولهما الوعورة الشديدة لطبيعة المنطقة والتي جعلتها اثناء الغزوات القبلية الوحشية الداخلية والغزوات الخارجية الشرسة على اليمن وصراع الدويلات اليمنية , قلعة منيعة من الصعب اقتحامها , وادت طبيعتها الجغرافية ايضاً إلى ضعف التأثيرات الخارجية عليها والتي كان يفترض أن تكون قوية إذا ما راعينا حجم الهجرة الواسع من المنطقة الى العالم العربي والعالم الاسلامي وافريقيا وجنوب شرق آسيا .

    واذا كانت الطبيعة القاسية هي العامل الأول الذي ساعد على بقاء ونمو وتأصل النظام القبلي في المنطقة فإن العامل الثاني هو خطر الحروب والغزوات الداخلية والخارجية الذي ساد عبر التاريخ الماضي على واقع اليمن وكان سمة ملازمة له , والذي أدى الخوف المستمر منه إلى تماسك النظام القبلي وعدم ضعفه أو تحلله بحيث أكتسب مع مرور الزمن ودوام الخطر صفة النظام الاقتصادي – الاجتماعي – السياسي – العسكري . أي أن النمو الرأسي له اكتمل بوجود السلطنة كقمة لهرم بنيانه تأتي تحتها المكاتب , ثم القبائل , ثم اجزاء المكاتب ( الخمس أو السدس ) فالقبائل , فالفخائذ , ثم العائلات في اسفل الهرم ( البيوت ) . وكل هذا الأطر تشكل منظومة واحدة تربطها علاقات وضوابط صارمة بالرغم من أنها فيما بينها وحتى في ادنى الحلقات تعيش في أحيان كثيرة تناحراً متواصلاً يصل في بعض مراحله إلى الاقتتال الذي لا نهاية له .

    ولا ننسى عند الحديث عن محافظة النظام القبلي على طول أمد حياته مراعاة طبيعته المتماسكة الكامنة في " القوانين " المنظمة لمجمل علاقاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمؤطرة في الاعراف والتقاليد والعادات القبلية والتي تأقلمت مع مستجدات الواقع وصارت متلائمة مع تعاليم الدين الاسلامي الحنيف لا تتعارض بشيء معها , وقلنا قوانين لان العمل بها في المجتمع القبلي لا يسمح لأحد بأختراقها أو تجاوزها أو التفريط بها , وهي (الاعراف والعادات والتقاليد ) أساس النظر إلى كل أمر والحكم عليه , وموضع اجماع لدى الكل والخروج عنها يستدعي تكالب كل رجال القبيلة لايقافه ومنعه , وإلى حد ما كانت هذه القوانين القبلية قوية بحيث حدث بقدر لا بأس به من تصادم افراد القبائل وتطاحنها مع بعضها أو غزو واحدة لأخرى , ولكنها لا تمنح لاشكال السلطة الفوقية ( السلاطين , السادة , شيوخ المكاتب ) صلاحيات كافية تمكن من وقف سيل الفتن والاقتتال الدائر بين القبائل ومكاتبها وفخائذها وبيوتها وافرادها .

    وتكمن قوة ايمان افراد القبائل بهذه العادات والتقاليد والاعراف في اكتنازها حصيلة التاريخ المتصل بالمنطقة , كما هو الحال في سائر اليمن , من النظم الحياتية والقيم الروحية والرؤى الفلسفية والاتجاهات الفكرية والتي امتزجت ابتداء من ظهور الديانات الوثنية والديانات السماوية ومروراً بـ " الطاغوت " الذي يقال في المنطقة انه ملك وضع قانون القبيلة , وانتهاء بالدين الاسلامي الحنيف وتأثير المذاهب الاسلامية المختلفة بسبب من الهجرة أو تفاعل اليمن مع الاقطار الاسلامية الأخرى , وصارت خلاصة الامتزاج مجموعة متكاملة من الاعراف والتقاليد والعبادات التي تحمل في معظمها سمات وأخلاقيات وقيم انسانية وروحانية نبيلة جعلت الناس يتمسكون بهذه ( القوانين القبلية ) على الرغم من أن لها علات وسلبيات ولكنها قليلة مقارنة بالجانب الآخر .

    واستناداً إلى المعرفة المتوفرة عن النظام القبلي في منطقة يافع فإن النظام القبلي يستوعب ويتجدد مع التغييرات السياسية التاريخية لاسباب عدة ذكرنا بعضاً منها ونضيف هنا اهمها الا وهو ثبات الاساس المادي الاقتصادي للقبيلة وعدم تغيير جوهر وشكل الملكية في المجتمع القبلي الذي هو ملكية خاصة . فيتوسع العائلات وإنشطارها الدائم ادى إلى وجود ملكيات فردية للأرض التي بالكاد تسد حاجة الاسرة ولايمكن التخلي عنها مهما كانت الظروف قاسية لانها مصدر العيش الوحيد . ومع انه كان يوجد في كل زمن اغنياء . الا انه في نفس الوقت كان من الصعب العثور على ارض للبيع وكان رهنها شائعاً في حالة ضيق الحال الشديد او الجفاف أو ماشابهما من الحالات , وكما ذكرنا في موضع سابق فأن شحة الاراضي الزراعية في منطقة يافع التي يقابلها ازدياد مستمر في عدد السكان أفرزت حالتي الانتقال إلى أنحاء اليمن والهجرة إلى خارجها وظلت ظاهرتا الانتقال والهجرة سمة إقتصادية ملازمة لتاريخ المنطقة بدأت – حسب بعض المؤلفات التاريخية – منذ عام 2000 قبل الميلاد , يلاحظ أن ما وردناه – في معظمه – رؤية تحليلية لتطور النظام القبلي في المنطقة كنموذج يعطي صورة عن تطور النظام القبلي في الاطار العام ( اليمن ) ولم تتوفر لدينا معلوماتاً  تاريخية كافية للخوض في التفاصيل فالمصادر شحيحة , وجرى إعدام وتضييع معظم الوثائق التاريخية التي كانت تعج بها المنطقة فإذا أخذنا مسألة هامة في دراسة " تطور النظام القبلي في منطقة يافع " وهي تشكل السلطنات كقمة هرم للنظام فلا يمكننا التيقن من تفاصيل أسباب قيام سلطنة آل عفيف عام 942هـ وسلطنة آل هرهرة عام 990هـ . وسيادة الاولى على الجزء المسمى " يافع بني قاصد " والثانية على الجزء المسمى " يافع بني مالك " , ولا نعرف علاقة التسميتين بالوضع القبلي وتقسيمه في المنطقة , ولكن من المعروف أن مؤسس سلطنة آل عفيف هو محمد عبدالله بن أسعد الملقب " عفيف الدين " والذي يرجح كثيرون بأنه علامة ديني , أما مؤسس سلطنة آل هرهرة فهو الشيخ العلامة علي هرهرة الذي عين قبل تشكيل السلطنة كحاكم شرعي وممثل للشيخ أبوبكر مولى عينات الذي تمتع بمركز ديني رفيع الشأن في أنحاء يافع ومثل مصدراً للسلطة الدينية فيها حتى من مقره في عينات بوادي حضرموت , وتورد بعض الاقاويل التاريخية سرداً ثالثاً يقول بأن سلطنة " آل عفيف " جاءت موحدة ليافع على يد رجل دين صالح ( عفيف الدين ) ولكن بعد خمسين عاماً قاد الشيخ العلامة علي هرهرة قيام سلطنة ثانية بسبب نزاع حول تحصيل ( العشر ) وهو حصة الزكاة أو الضريبة التي تجمع من قبل السلطنة من جميع افراد القبائل .

    والمهم في الأمر هو الحاجة إلأى معرفة سبب ظهور السلطنة في النظام القبلي في المنطقة في هذه الفترة التاريخية بالذات : هل هو تحول نوعي في سلطة السادة والدعاة الدينببن بهدف الاصلاح بين القبائل ؟ .. أم أنه ناتج عن اوضاع طرأت في المجتمع اليمني حينها كظهور اتحادات للقبائل وسلطنات في مناطق أخرى ؟ .. الاجابة القاطعة بحاجة إلى جهد كبير لجمع المعلومات الدقيقة عن تلك الحقبة الزمنية , ولكننا نستطيع التأكيد هنا على أن ظهور " السلطنة " كأحد اشكال النظام القبلي لم يغير من الواقع القبلي أي تغيير جذري . فهو قد أسهم في ازالة بعض الفتن بين القبائل وزيادة فرص نجاح التنسيق فيما بينها , ولكنه لم يستطيع انهاء الفتن والاقتتال لأن حلول السلطنة بين القبائل تحددها طبيعة حكم السلطان الذي لا يستند إلى القوة بل إلى الشورى فيما بين القبائل حسب الاعراف والتقاليد والعادات القبلية السائدة التي لم يتبدل فيها شيء منذ قدوم السلطنة والتي يتخذ السلطان أحكامه وفقاً لقواعدها ولم توجد أعرافاً وتقاليد وعادات سلطانية تضعفها أو تشكل بديلاً لها .

    ومنذ القرن السابع عشر الميلادي بدأ الضعف يدب في أوصال سلطنتي آل عفيف وآل هرهرة نتيجة لتدعيمها السابق والمستمر اقامة سلطنات وامارات جديدة في المناطق الجنوبية من اليمن ونصرتها والمشاركة القتالية في تمتين سلطتها , كسلطنة " العبدلي " في لحج وعدن , وامارتي " الكسادي " و " البريكي " ثم سلطنة " القعيطي " في الشحر والمكلا وسواحل حضرموت وبعض اجزاء الداخل , ولكن ضعف السلطنتين والثمن الذي دفعته رجالاً وغذاء وعتاداً لم يؤد بأي حال إلى انهيار النظام القبلي في المنطقة التي لحقت بها أضرار مادية جسيمة منها التلاشي شبه الكامل لتجمعات سكانية كاملة كما حدث في الحرب الضروس بين " آل بريك " و " آل كساد " التي أنتهت بأنتهاء القبيلتين تقريباً , وبالرغم من كل ذلك ظل النظام القبلي يتنفس بقوة مؤكداً بأن السلطنات ماهي الا غطاء فوقي له لا جزء جوهري فيه , وهذه هي الحقيقة التي اردنا الوصول إليها .

    إن التطور النظام القبلي في منطقة يافع – على الرغم من خصوصياته – يجيء في نسق التطور العام للقبيلة في اليمن , وإذا تناولنا رؤى وحقائق عامة موجزة عنه فإن هدفنا إعطاء خلفية لفهم الواقع الذي جاءت فيه الاصلاحات ثم الاحراءات التقدمية الجذرية , وتكمن أهمية نجاح الحركة الاصلاحية والثورية في المنطقة في قدرتها على زرع قيمها وأفكارها بين الناس الذين عاشوا ردحاً طويلاً من الزمن وضعاً قبلياً تتوغل جذوره في عمق التاريخ إذا أستطعنا معرفته نكون بينة من قيمة ما أحدثته الحركة الاصلاحية والثورية التقدمية من تحولات ايجابية في المنطقة وضعتها على اعتاب مرحلة تاريخية نوعية جديدة .
 يتبع


تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 3 مايو 2012 الساعة: 01:41 ص