الخميس، 19 فبراير 2015

محمد صالح مطيع

محمد صالح مطيع






الخميس 7 اكتوبر2004 العدد 1155

   آفاق

محمد صالح مطيع


فضل النقيب

    لا يزال اسم هذا الرجل يتردد كواحد من أنقى الثوار العرب الذين مارسوا العمل النضالي والسياسي بوطنية عالية وشفافية ومسؤولية في الرأي واعتدال في المواقف وابتعاد عن التآمر وبراءة من دماء الناس المعصومة التي لوثت أيد كثيرة ووصمتها بالعار إلى الأبد.

    محمد صالح مطيع هو أشهر من تولى وزارة الخارجية فيما كان يعرف سابقاً باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وكان شديد الانتباه لتعقيدات الواقع وللضغوط الأقليمية والدولية العاصفة التي أحاطت بذلك الوليد الذي أنجذب إلى موسكو وسياساتها الشيوعية ومصالحها الدولية فلم يجانس “ محيطه، كما وضع نفسه في دائرة استهداف القوة العالمية الأخرى، وكان الرهان - السؤال: هل نستطيع الخلاص من قبضة الجاذبية الحمراء، وبأي ثمن؟ وهل نستطيع التوافق مع محيطنا فنتخلص من الولاء - المأزق الذي جعلنا في وضع أشبه بوضع الكرة بين أقدام لاعبي محترفين.. وبأي ثمن؟ .

    ومن الواضح في ظل الاستقطاب الحاد بين المعسكرين العالميين وما مثلته عدن من جائزة لا تقدر بثمن للسوفييت وأساطيلهم ولإطلالتهم على بحر البترول العربي شريان الاقتصاد العالمي. أن ثمن الاستنقاذ سيكون عالياً وفي الغالب دموياً، لأن الاستخبارات السوفيتية كانت قد اخترقت بالطول وبالعرض وبالأسماء والأوزان وبالشعارات والأفكار، ولم تعد ضيفاً في الدار وإنما هي صاحبة الدار على الطريقة العربية البلهاء.

ياضيفنا لو جئتنا لوجدتنا
نحن الضيوف وانت رب المنزل

    انعكس هذا الوضع المأزوم على الداخل الحزبي والسياسي الذي أصبحت “المؤامرة” عنوانه الأبرز، واللدود في الخصومة خبزه اليومي وصناعة “الأزمات” أبرز صناعة مزدهرة بعد أن أخفقت السياسات الاقتصادية وتحول السوق إلى “عدم” والناس إلى أشباح إن ما توا من الجوع مرة فإنهم يموتون من الخوف عشر مرات.

    حاول الرئيس سالم ربيع علي بماله من وزن ونفوذ وبما عُرف عنه من مقدامية أن يخترق هذا الانغلاق السياسي المدمر وكان إلى جانبه وزير خارجيته محمد صالح مطيع مشيراً وناصحاً ورسولاً سياسياً يضع مصلحة بلاده قبل مصلحة موسكو وغيرها من العواصم ومحطات التنصت، ولم يكن الرئيس يدرك المدى الذي يمكن أن يصل إليه أولئك الذين استشعروا الخطر على بساط من الجهل والارتهان وعبادة المكاسب الشخصية. وأصبح المطلوب رأس الرئيس ووزير خارجيته في حبكة يعجز عنها أي فيلم هوليودي، حيث جرى اغتيال الرئيس احمد حسين الغشمي في مكتبه بصنعاء خلال استقباله مبعوثاً من عدن ما أن فتح حقيبته الدبلوماسية حتى انفجرت لتقتل الرجلين معاً، وجرى اتهام الرئيس سالم ربيع علي، وهو أمر غير معقول ولا مقبول وليس فيه مصلحة من أي نوع، وعقب اشتباكات مدمرة جرى إعدام الرئيس بصورة غامضة ودون محاكمة علنية.

    ولم يمر سوى وقت قصير حتى ألقي القبض على محمد صالح مطيع الذي بدا معزولاً في ذلك الجو المكفهر المتعطش للدماء، ومن ثم جرى تلفيق تهمة الخيانة الوطنية له من قبل “الرفاق” المنتصرين الذين سيتفرغون بعد مقتله للتربص ببعضهم البعض وصولاً إلى مذابح 1986م التي جرت على الهوية وكان المواطنون في نظام “الابارتيد” العنصري الذي لم يعرف مثل تلك البشاعات.

    وكما روى لي أحد المطلعين فقد كان الدليل رسالة من مسؤول في دولة مجاورة يحث فيها “مطيع” على تنفيذ النقاط التي تم الاتفاق عليها بين فخامة الرئيس سالم ربيع علي وجلالة الملك خلال زيارة الأول إلى بلد الأخير.

    ويعلق الدبلوماسي المخضرم الذي روى لي القصة بأن النقاط كانت معروفة ومعروضة وهي من مفاخر العمل الدبلوماسي في إطار العلاقات الثنائية، وقد عُرف عن سالم ربيع علي ومحمد صالح مطيع الحرص المبالغ فيه على المصالح الوطنية العليا وطهارة اليد والجيب.

    أما كيف تم تنفيذ حكم “الإعدام” القراقوشي فأمر تشمئز منه النفوس والأبدان فقد قيل لـ”مطيع” ما رأيك في القيام بجولة حول عدن، وقد صعد إلى جانب السائق الذي كان مسؤولاً أمنياً كبيراً وفي الخلف صعد احد عتاة القتلة وهو إرهابي دولي معروف، وفي الطريق أخرج الإرهابي سلكاً من جيبه وخنق بواسطته المناضل محمد صالح مطيع حتى الموت في طريقه مستفادة من عتاولة المافيا.

    ولأن التاريخ لا يمكن أن يكتبه القتلة والمتآمرون وإن فازوا فيه إلى حين فقد أخذت الحقائق تنجلي وتنكشف والأدوار تتوضح وصولاً إلى وحدة اليمن المباركة التي حملت كل ذلك الغثاء وأبقت منه ما ينفع الناس عملاً وعبرة ووضعاً للناس في مواقعهم التي يستحقونها.

    ففي الأسبوع الماضي أصدر الرئيس علي عبدالله صالح مرسوماً منح بموجبه الشهيد محمد صالح مطيع وسام ثورة 26 سبتمبر من الدرجة الأولى وبهذا القرار جرى رد الاعتبار لهذه الشخصية الوطنية البارزة ودورها في حياة الوطن والمواطنين . 

    بدأ مطيع حياته النضالية فدائياً جسوراً في مجابهة الدوريات الإنجليزية في شوارع عدن، وكانت صوره معروضة في كل نقاط التفتيش الـ”مطلوب” من الدرجة الأولى وقد ترقى في المراتب الحزبية حتى “عضو مكتب سياسي” وترقى في المناصب الحكومية عقب الاستقلال وكان “ناصعاً” من الولاءات القبلية والعائلية وصدراً مفتوحاً لكل أبناء اليمن.

    شكرا للرئيس علي عبدالله صالح على هذه اللفتة الوطنية المتجاوزة للزمن الغادر، وعسى أن يسعد القرار أهله الذين أحرق قلوبهم مقتله ثم أحرقهم بتهم الخيانة ومعاملة المكر السيئ الذي لا يحيق إلا بأهله.

    وفي الأخير لا يصح غير الصحيح.


تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 22 يناير 2011 الساعة: 07:38 ص

الشيخ احمد ابوبكر النقيب

الشيخ احمد ابوبكر النقيب 






  الاحد  21 اكتوبر 2007 العدد 5226

رجال في ذاكرة التاريخ

الشيخ احمد ابوبكر النقيب 

 نجيب محمد يابلي


    أرض سرو حمير: أفاد أخي وزميلي د. علي صالح الخلاقي في كتابه المرجعي «شيخ الموسطة - نقيب يافع - الشيخ أحمد أبوبكر النقيب حياته واستشهاده في وثائق وأشعار (1905 - 1963م) -ص 13:«يافع اسم ذو دلالتين فهو يدل على يافع المنطقة ويافع القبيلة أو القبائل وتنسب إلى يافع بن قاول بن زيد بن ناعتة بن شراحيل بن الحارث بن زيد بن يريم ذي رعين الأكبر.

    عرفت يافع قديما باسم «دهس» أو «دهسم»، ويستفاد من الهمداني في كتابه «الإكليل» و«صفة جزيرة العرب» أن أرض حمير الأصل هي سرو حمير وقلب سرو حمير هي بلاد يافع، وتعد المناطق المجاورة لها من أحلافها، كمنطقة ردفان وحالمين والضالع وغيرها، وقد عدد الهمداني كثيرا من مدنها وأوديتها وجبالها كالعر وتمر وحبة وعلة وحطيب ويهر وذو ناخب وذو ثاب وسلفة وشعب وعر ميحان وسلب والعرقة ومدور وتيم ومعظم هذه الأماكن مازالت تحمل الأسماء نفسها إلى اليوم..».


    يمضي الدكتور الخلاقي في جهده البحثي (ص16 و17) بأن يافع كانت على رأس القبائل التي استقلت عن الدولة الطاهرية عند تفككها وتحديدا في العام 942هـ نشأ نظام السلطنة في يافع، حيث نشأت في ذلك العام «السلطنة العفيفية» نسبة إلى مؤسسها محمد عبدالله بن أسعد الملقب «عفيف الدين» وهي السلطنة الأقدم، وبعد قرابة نصف قرن وتحديداً في العام 990هـ ظهرت السلطنة الأخرى «سلطنة آل هرهرة» نسبة إلى الشيخ العلامة علي بن أحمد هرهرة في الجزء المسمى «يافع بني مالك» وعاصمتها «المحجبة» وتتبعها المكاتب التالية: البعسي والموسطة والضبي والحضرمي والمفلحي، ومنذ ظهور هذه السلطنة (آل هرهرة) اقتصر نفوذ السلطنة العفيفية على الجزء المسمى «يافع بني قاصد» وحاضرتها «القارة» وتتبعها المكاتب التالية: كلد ويهر والناخبي والسعدي واليزيدي.


آل النقيب والموسطة


    آل النقيب منهم شيوخ الموسطة ونقباء يافع ويلقبون بـ «آباء يافع» وإليهم ينتمي المترجم له الشيخ الشهيد أحمد بن أبوبكر بن علي بن عسكر النقيب شيخ مشايخ الموسطة - نقيب يافع (الخلاقي-مرجع سابق -ص 64 )


    الموسطة من أقدم مشيخات يافع المستقلة ومن أكثرها نفوذاً وتأثيراً في يافع وهي أحد مكاتب يافع بني مالك (يافع العليا) وتنقسم الموسطة كما ورد في كتاب حمزة علي لقمان «تاريخ القبائل اليمنية» (ص 208-206) إلى الأرباع التالية:

الربع الأول: يتكون من الخلاقي والعلسي والريوي والقعيطي.

الربع الثاني: يتكون من السعيدي والمسعدي والجرادي واليسلمي.

الربع الثالث: يتكون من الرشيدي والحوثري والعروي.

الربع الرابع: يتكون من العيسائي والحنشي والفلاحي والنجدي والقدحي.


الميلاد والنشأة


    الشيخ أحمد أبوبكر النقيب من مواليد عام 1323هـ/ 1905م في قرية «القدمة» حاضرة مشيخة الموسطة وكان ترتيبه الرابع بين أخوته الذكور وهم: حسين، محمد، محسن، أحمد، صلاح، قاسم وله ثلاث شقيقات.


    تلقى الشيخ أحمد تعليمه في سن طفولته الأولى في كتاب القرية (المعلامة) على يد العلامة الشيخ حسين علي بن علي عسكر النقيب، الذي تلقى تعليمه في حضرموت ثم في الجامع الأزهر في مصر وتمكن الشيخ النقيب من حفظ القرآن الكريم وأتقن مبادئ القراءة والكتابة والتصق بوالده وأخذ عنه حنكته وتجاربه ومخالطته الناس ومعرفة أحوالهم ومنذ يفاعته كان يساعد والده، بل وينوبه في الإصلاح بين الناس من أفراد قبيلة الموسطة ولمع اسمه في الوسط الاجتماعي (الخلاقي - مرجع سابق - ص 52، 53).


الشيخ النقيب يقطع البحار وموعد مع القرار


     في العام 1928م ومع بلوغ ربيعه الثالث والعشرين أكمل الشيخ أحمد أبوبكر النقيب نصف دينه من أم أولاده الثمانية وشريكته في السراء والضراء، وبعد سبع سنوات عزم الشاب أحمد أبوبكر النقيب مع عدد من أقرانه من أبناء قريته «القدمة» على السفر بحراً إلى إندونيسيا واستقلوا سقينة شراعية (زعيمة) في مغامرة غير محسوبة وكان هناك بعض الأقارب في استقبالهم، وبعد مضي عامين من إقامته في إندونيسيا قرر الشاب النقيب العودة إلى أرض الوطن وقد خاب ظنه في بعض اليمنيين الذين كانوا يمارسون تجارة الربا خارج المدن الإندونيسية واكتفى بدخله المتواضع الذي كتبه له رازقه، سبحانه وتعالى.


    في العام 1356هـ/ 1957م عاد الشاب أحمد أبوبكر النقيب إلى مسقط رأسه واستقبله أهله وخلانه، وكان والده الشيخ أبوبكر النقيب أكثرهم ابتهاجا بوصول قرة عينه أحمد، الأقرب الى قلبه لما تميز به من فطنة ودراية في قضايا الشريعة الإسلامية السمحاء والأعراف والتقاليد القبلية.


    كان والده قد أصيب في ساقه أثناء مواجهاته مع الإنجليز في الشعيب وقد لازم فراش المرض مطمئناً لوصول ولده الذي سيغطي الفراغ الذي سيتركه بعد وفاته، وقد رست قناعة آل النقيب على اختيار أحمد أبوبكر خلفاً للشيخ الراحل أبوبكر بن علي عسكر النقيب وذلك لتوفر الشروط الستة لملء هذا المركز الرفيع.


الشيخ النقيب صاحب القرارات الصعبة


    مثلث مدينة البيضاء قاعدة إسناد ودعم للثوار المناهضين للاستعمار ومخططاته في يافع وغيرها من المناطق الحدودية المجاورة. وصل وفد الجامعة العربية برئاسة أمينها العام الأستاذ عبدالخالق حسونة رحمه الله عام 1957م بطلب من الإمام أحمد لتقصي الحقائق في مناطق الجنوب وكان السلطان الثائر محمد بن عيدروس قد وصل إلى البيضاء مع مجموعة من سلاطين ومشايخ الجنوب (الخلاقي - مرجع سابق - ص 83).


    كان النقيب صالح بن ناجي الرويشان، عامل الإمام في البيضاء قد أعد مسودة إقرار «بأننا جزء لا يتجزأ من اليمن» وكان الجميع قد وقع على ذلك الإقرار. جاء الشيخ النقيب متأخراً فعرض النقيب الرويشان الإقرار عليه للتوقيع، إلا أنه رفض فاستغرب الرويشان الذي كان على علم بالعلاقة الطيبة التي كان تربط النقيب بالإمام وطلب منه تفسيراً وجاء الرد الحصيف الذي لا يتصوره أحد : « إننا كسلاطين ومشايخ نعد بعدد أصابع اليد ولا نملك تخويلاً من شعب الجنوب بمثل هذا التصرف وعند رحيل الاستعمار سيقول الشعب قراره في استفتاء عام » .


ماذا قال وزراء الإمام للشيخ النقيب؟


    حل الشيخ أحمد النقيب ضيفا على الإمام أحمد في قصره في حمام السخنة خارج الحديدة وتحدد له موعد مع جلالة الإمام، الذي تعمد تأخير اللقاء 16 يوماً وفي اليوم المحدد اختير له موقع في مواجهة الباب وضوء الشمس وبعد دخول الإمام وجلوسه على أريكته، التفت نحو النقيب وخاطبه : « هيا مه يا نقيب شمس؟ رد النقيب : « نعم يا مولانا شمس» . قال الإمام : « تفضل اقرب هانا »! وسأله الإمام بعد ذلك : « ما يقولون أهل الجنوب يانقيب ؟» قال النقيب : « أهل الجنوب يقولون متى ما تحسن اليمن فنحن من اليمن وإلى اليمن ». طفحت علامات الغضب والامتعاض على وجه الإمام وتريث قليلا ثم انفجر قائلاً : « سيتحسن اليمن رغم أنف الاستعمار ». قال النقيب : « بفضل الله وبفضل مولانا الإمام سيتحسن وضع اليمن بإذن الله ». غادر الإمام الديوان بعد دقائق منهياً بقاءه في الديوان الذي لم يستمر أكثر من 20 دقيقة. قام الوزراء والحاضرون وأخذوا يصافحون النقيب وقالوا له : « نهنئك ياشيخ على هذه الشجاعة، لأن لو أحدنا تفوه بمثل هذا الكلام لا يمكن له أن يعيش أكثر من ساعة واحدة ولم نر أحداً من أبناء الجنوب يقول للإمام مثلما قلت أنت ».  رد عليهم النقيب : « أنا لم أقل إلا الصحيح ولا أستحق التهنئة » (الخلاقي- مرجع سابق- ص 84 و85).


موقف الشيخ النقيب من الإنجليز في شهادة الشيخ علي العيسائي


    في زيارة عملية، لعلها الأخيرة إلى تعز أراد الشيخ أحمد أبوبكر النقيب حسم أمره مع البريطانيين على الرغم من صعوبة موقفه مع الإمام أحمد الذي قطع عنه الدعم بعث السلطان فضل بن علي، سلطان لحج وزير الدفاع الاتحادي باقتراح إلى الشيخ النقيب بالنزول إلى عدن، حيث عرض السلطان عليه الوساطة بينه وبين البريطانين.

    لم يمانع الشيخ النقيب في مسألة الوساطة شريطة نزوله أولاً إلى يافع ليتشاور مع مشايخ وأعيان الموسطة في الأمر، الذين فوضوا بدورهم الشيخ عبدالحافط بن حسين محسن بن شيهون لإبداء وجهة نظرهم نيابة عنهم باعتباره الأكبر سنا والذي تمنى على الشيخ النقيب النزول إلى عدن ليتصالح مع البريطانيين ومعالجة أمور الخلاف معهم باللين تارة والشد تارة أخرى.

    عند مرور الشيخ النقيب بالقرين بعد اجتيازه حالمين وهو في طريقه إلى الضالع، أرسل الضابط السياسي البريطاني شخصاً يدعى البعسي، ضابط عولقي في جيش الليوي لاستدعاء الشيخ النقيب، فسأله عن صديقه محمد عيدروس وأساء إليه بصفة نابية (سارق) فرد عليه الشيخ : وماذا سرق محمد بن عيدروس؟ رد الضابط السياسي : سرق مالية أبين، فرد عليه الشيخ : من يسرق حقه ليس سارقاً، وقد توقعت أن تقول إنه سرق مالية بريطانيا من لندن.

    احتد النقاش بينهما ومضى الشيخ في طريقه إلى لحج ورافق السلطان فضل بن علي إلى عدن للقاء المعتمد السياسي البريطاني، الذي سأل الشيخ : يا نقيب، هل عادك ناوي تحارب الحكومة؟ رد النقيب بالإيجاب « لأنكم تتخلون عن معاهدة الحماية وتريدون استعمارنا واستعبادنا ولن نرضى بذلك ».

    هنا ذكر المسؤول البريطاني الشيخ النقيب بأنه علي ما يبدو متأثر بإذاعة «صوت العرب» المصرية ونسي الشيخ - على حد زعم ذلك المسؤول - بأن الإنجليز - ولعلم الشيخ - سيدوسون نخاع عبدالناصر، فرد الشيخ الصاع صاعين، فتدخل المترجم بأن استفزاز الشيخ أوصل اللقاء إلى هذه النقطة الحرجة، فانصرف الشيخ من مقر الإدارة البريطانية برفقة سلطان لحج.

    أدلى الشيخ الفاضل رجل الأعمال البارز على عبدالله العيسائي بشهادته للتاريخ عن الشيخ الشهيد أحمد أبوبكر النقيب وقال إنه استضافه في بيته عند نزوله الأخير إلى عدن وقال : «إن الشيخ ظل طيلة تواجده في عدن لمدة ستة أشهر على مواقفه العدائية من الإنجليز ولم يستجب لأي من شروطهم وكان حراً أبياً، ولولا توقف الدعم الذي كان يتلقاه من الحكم في صنعاء في عهد الإمام أحمد لما غير خطته، ومعروف أنه بعد علاجه من إصاباته في مستشفى صنعاء، انقطع عنه الدعم فاضطر لبيع سلاحه الشخصي، ثم نزل إلى عدن عن طريق يافع وكان ينزل ضيفا عندي، وكان ضد بريطانيا قلباً وقالبا وصحيح أنه حصل على بعض المبالغ غير المشروطة وعاد إلى يافع، ولكن الإنجليز كانوا يكنون له العداء، حتى أن والي عدن في كتاب له يعترف أنه قضى على النقيب ويصفه بالمتمرد » (الخلاقي - مرجع سابق - ص 118 و119 و120 و120).


الشيخ النقيب يسقط برصاص ضيوفه في البيت


    قدم المناضل محمد صالح المصلي شهادته للتاريخ عن الشهيد الشيخ أحمد أبوبكر النقيب ورد فيها : « حين قامت ثورة سبتمبر كنت في الشمال وعند عودتي إلى يافع بدأ التواصل بيني وبين الشيخ أحمد، الذي لا شك أن نزوله إلى عدن قد أساء إليه وأراد ان يصحح مواقفه، وقد بعث لي برسالة بواسطة محمد حسين صالح الرشيدي ومحمد صالح عثمان الحريبي يطلب فيها استعادة النشاط…». وتحدث المصلي عن تفاصيل رسالة الشيخ النقيب المرسلة إليه ورد عليها والتي حملها أحمد هيثم حنش وما حكاه رجل من قرية «الديوان» جاء من نايحة قرية «صانب» والذي صرخ : يا مصلي.. يا مصلي الشيخ أحمد النقيب قتل. قلت له ومن قتله؟ قال : أولاد عمه. حمل المصلي بندقيته وطلع إلى الحيد ووصل الخبر بأن القتلة هم آل البعالي. (الخلاقي - مرجع سابق - ص 123 و124).

ورد في صحيفة «صوت الجنوب» في عددها الصادر في 20 يناير 1963م ما يلي : « أفادت الأخبار الواردة من يافع العليا أن الشيخ أحمد أبوبكر النقيب الأول لمشيخة الموسطة قد قتل يوم الخميس 10يناير 1963م على يد أحمد عسكر وأربعة آخرين من أهل عياش، كما أن ولده سيف أحمد وشخصاً آخر من أصدقائه قد قتلا أيضاً »، وأضافت «صوت الجنوب» : «وكان الشيخ أحمد أبوبكر يستضيف أحمد عسكر وأصحابه في داره لمدة يومين ولكنهم غدروا به وقتلوه، وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ أحمد أبوبكر النقيب أحد رجال يافع العليا البارزين وهو معروف بشجاعته وقوة شكيمته وبمقتله فقدت يافع أحد رجالها البارزين ». واقتصت «الموسطة» من الضالعين في الجريمة الخسيسة سواء المخططون أو المنفذون لها فرداً فرداً استناداً للقاعدة القرآنية { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } (البقرة: 179).


الشيخ عبدالرب النقيب خير خلف لخير سلف


    ترك الشيخ أحمد أبوبكر النقيب وراءه إرثاً نضالياً واجتماعياً كبيراً ودائرة واسعة من المحبين وأحد عشر ولدا الذكور منهم ثمانية هم :
1) عيدروس من مواليد 1929 نصبه مشايخ وأعيان الموسطة شيخاً خلفاً لوالده وهو مقيم حالياً في دولة الإمارات العربية المتحدة.
2) سيف من مواليد 1933 استشهد مع والده.
3) فيصل من مواليد 1934.
4) عبدالرحمن من مواليد 1940.
5) عبدالرب من مواليد 1941 يشغل حالياً باقتدار موقع والده وشقيقه الأكبر كشيخ للموسطة ونقيب ليافع ويعد من الشخصيات الاجتماعية البارزة التي تحظى بتقدير واحترام كبيرين في يافع عامة.
6) محسن من مواليد 1943م.
7) فضل من مواليد 1944م .
8)علي من مواليد 1948م.

                                                                               

الشيخ النقيب شاعر ينعاه الشعراء


    الشيخ الشهيد أحمد أبوبكر النقيب شاعر مجيد ومن قصائده: «نداء الإصلاح» و«دجاج الحفش» و«ملعون من باع أرضه بالذهب» و«بأرض الشرق فتنة» و«سابق من سبق» و«قفا صوت العرب» و«شرع القبايل» وغيرها من القصائد ورثاه عدد كبير من شعراء يافع وفي مقدمتهم شايف محمد الخالدي وعلي عبدالعزيز المشوشي ومحمد عبدالرب العروي والشيخ عيدروس أحمد النقيب وغيرهم.

تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 22 يناير 2011 الساعة: 05:22 ص

الأربعاء، 11 فبراير 2015

المناضل احمد عبدالله اليافعي

المناضل احمد عبدالله اليافعي









الاحد 21 اغسطس 2005 العدد 4565

رجال في ذاكرة التاريخ

احمد عبدالله اليافعي

نجيب يابلي

الولادة والنشأة

    أحمد عبدالله سالم عوض العمري اليافعي من مواليد عام 1936م في قرية آل عمر، لبعوس، يافع، ونشأ فيها وترعرع وتلقى تحصيله الأولي في كتاتيبها، وعندما بلغ الـ (16) عاماً قرر أن يطوي حياة العزلة في القرية ليأخذ نصيبه من الحياة في المدينة، فحدد وجهته إلى عدن عام 1952م.

اليافعي في أمانة ميناء عدن

     التحق احمد عبدالله يافعي بخدمة «أمانة ميناء عدن» ADEN PORT TRUST وبرزت بذور النزعة الوطنية وحب مؤسسات المجتمع المدني والأهلي عند أحمد عبدالله يافعي، عندما تحمل مع آخرين مسؤولية تأسيس نقابة عمال أمانة ميناء عدن مع زملاء نقابيين يتصدرهم المناضل الوطني المعروف صالح عرجي، يرحمه الله.

    انتخب اليافعي بعد ذلك عضواً في اللجنة التنفيذية للنقابة وبرزت مواقفه الميدانية مع الإضراب الشهير لعمال ميناء عدن ومقاطعة السفن البريطانية والفرنسية احتجاجاً على العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م.

    تحمل أحمد عبدالله يافعي مسؤوليته النقابية حتى عام 1966م.


                                                                                                احمد عبدالله اليافعي


اليافعي يتأثر بصاحب الفضيلة السيد محمد علي الجفري

     كانت مرحلة الشباب عند احمد عبدالله اليافعي فياضة بالحماس الوطني والقومي، وتأثر بالمد الناصري والقومي وأبدى حماساً وتعاطفاً مع مبادئ وأفكار الرابطة وتأثر كثيراً بالزعيم الكاريزمي صاحب الفضيلة السيد محمد علي الجفري، رئيس رابطة أبناء الجنوب، فانخرط في صفوف الرابطة وتدرج في مناصب قيادية إلى أن انتخب عضواً في اللجنة التنفيذية للرابطة ثم أميناً عاماً مساعداً لرابطة أبناء اليمن (رأي) .

    كلف اليافعي بالسفر إلى تعز مع رفيق دربه عبدالله بشارة لمقابلة السلطان الثائر محمد بن عيدروس للتنسيق والمساعدة بإمداد ثوار يافع بالسلاح.

اليافعي والحركة الرياضية


    كان لأحمد عبدالله اليافعي أياد بيضاء في الحركة الرياضية بعدن، وخاصة في مدينة المعلا عندما ترأس نادي المنتصر الرياضي ثم نادي وحدة الشباب العربي «بحر العرب» مع زملائه عبدالرحمن المجالي وعبده علي سعيد ميوني وعثمان كمراني والمرحوم عبدالله سيقل.

الرحيل القسري والعودة الطوعية

    ارتبط احمد عبدالله اليافعي بعلاقة مبدئية بحزبه «الرابطة» ولم تثنه الحملة الشرسة التي تعرض لها حزبه عن الصمود في صفوفها حتى يوم مغادرته إلى منفاه في 29 نوفمبر 1967م، وذكر احمد عبدالله اليافعي فضل من علموه في المدرسة الرابطية ومنهم أساتذته الأجلاء: السيد محمد علي الجفري وشيخان الحبشي وسالم الصافي ورشيد الحريري وأحمد عبده حمزه وغيرهم.

     واصل أحمد عبدالله يافعي رسالته السياسية والحزبية في منفاه القسري وانضوى تحت راية «التجمع القومي» عام 1980م في القاهرة، وكان عبدالقوي مكاوي، امينه العام وشيخان الحبشي ومحمد علي هيثم نائبي الأمين العام وعضوية عدد كبير من المناضين منهم: محمد سالم علي، ناصر بريك عولقي، احمد علي الجفري، سيف العزيبي وشقيقه عزب، عبدالله درويش، ناصر عرجي، ابوبكر شفيق، محمد بن عجرومة، حسين عثمان عشال، توفيق عوبلي، احمد عبدالله يافعي وغيرهم.

    عاد أحمد عبدالله يافعي الى الوطن عام 1989م وهو على أعتاب الوحدة ليواصل رسالة عمله السياسي والحزبي حتى توفاه الله في 2 فبراير 2004م ونعاه الإعلام وأصحاب الأقلام في كراس خصص في ذكرى وفاته، يرحمه الله.

     أكمل أحمد عبدالله يافعي نصف دينه عام 1955م، وأثمرت تلك الزيجة (5) أولاد هم: 1- هشام، 2- رشيد، 3- جلال، 4- محمد، 5- علي، وبنت واحدة. بقيت كلمة واحدة وهي أن مدرسة الحياة علمت وصقلت أحمد عبدالله يافعي وجعلت منه إنساناً مثقفاً ونافعاً وأكسبته حب واحترام الناس.



تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 02 يناير 2011 الساعة: 22:24 م

ويافع..إن سألت عنها وعن الرجال

ويافع..إن سألت عنها وعن الرجال








الاربعاء 19 سبتمبر 2007 العدد 5202


مشاهدات وانطباعات من واقع الإجازة

ويافع..إن سألت عنها وعن الرجال

 علي صالح محمد


الناس والموسم


     . . منذ قرابة الشهر وأنا أقضي وعائلتي كعادتي السنوية فترة الإجازة المدرسية في قريتي المسماة ب( ظيئان ) المنتمية قبليا إلى ربع الثلثي من مكتب الحضارم وهو خامس المكاتب المكونة ليافع العليا إضافة إلى مكاتب البعسي والضبي والموسطة والمفلحي والممتدة على هضبة سرو يافع أو سرو حمير وعاشر المكاتب المكونة ليافع السفلى اليهري والسعدي والناخبي والكلدي واليزيدي و الممتدة حتى بحر ابين .

    في هذا الموسم من كل عام تدب الحياة وتنتعش على غير العادة على الهضبة بقوة بحكم الحضور والتوافد المتزايد والملحوظ لأبنائها العائدين إليها من كل مناطق انتشارهم داخل الوطن أو خارجه كنسور هاجرت بحثا عن أرزاقها لتعود إلى مواطنها في الجبل المنيف كلما حن بها الشوق إليه .


ويافع إن سألت عن الرجال
             فهم كالأرض أشباه الجبال

وإن تسأل عن الأشبال يوما
          فروخ النسر تسبح في الأعال

سلالة حمير من كل قيل
                                              إذا نطقوا ففي فصل المقال

    خصوصاً حين يتوافق هذا التوافد مع الإجازة المدرسية ليوفر للعائلات أيضا فرصة الحضور والمشاركة واللقاء بالأهل والأحباب بعد غياب دام سنوات طوالاً في أرض الاغتراب برفقة الزوج المكافح في سبيل حياة أفضل، ساعد على ذلك وصول الطريق الإسفلتي إلى الهضبة لترتبط بالبيضاء وصنعاء من ناحية الشرق والشمال والحبيلين وعدن من ناحية الجنوب، وذلك بعد معاناة طويلة من مشاق الطرق الوعرة مع أنها لم تزل مستمرة في أغلب مناطق الهضبة ومناطق السيل (وعاد يافع بليات السيل) أو مناطق يافع السفلى التي لم تصلها نعمة الإسفلت بعد ومنها ما يجري تنفيذه والعمل فيه ومنها ما ينتظر لتظل حلماً وأملاً للناس سيخفف عليهم كثيراً أعباء ومعاناة التنقل والمعيشة.

الصورة تبين رقصة البرع التي يؤديها 9 من شباب القرية ويصل العدد أحيانا إلى 16راقصاً



     والطريق المسفلت في هذه المناطق أصبح نعمة حقيقية لا يشعر بها إلا من كابد عناء ومشاق الطرق الوعرة أو مشاق السير لأيام من وإلى المنطقة، مثلها مثل نعمة توفر المياه الصالحة للشرب من خلال مشروع المياه الذي أنجز قبل أعوام، ونعمة الكهرباء التي يأمل الناس بإنهاء معاناة انقطاعاتها المستمرة من خلال مشروع الربط بالمحطة الكهروحرارية وضم الكهرباء القائمة الى المؤسسة العامة .

    ولعل ما يميز هذا الموسم عن غيره هو هطول أمطار الخريف التي ينعم الله بها على المنطقة في مثل هذا الوقت من كل عام لتتدفق السيول في الشعاب والوديان لتهدأ نفوس الناس وتستقر، و لتروي الأرض والآبار السطحية، و معها تروى أشجار البن الشهيرة في وديانها المعمورة يهر وذي ناخب وحطيب وصدر، كما تنتصب أعواد الذرة المزدهرة في هذا الموسم متباهية بأنواعها المختلفة (كالعوبلي، والعدهي، والجاملي، والجعيدي)، بخاصة إذا أنعم الله بصيف مدرار على المنطقة في شهري أبريل ومايو وإن كان الصيف ضعيفاً استبدلت بزراعة الذرة الشامية، لتتزين المنطقة وتكسى باللون الأخضر في ظل مناخ معتدل لتصبح المنطقة برمتها مصدر سحر وجاذبية لا تقاوم لقضاء الإجازة فيها .

    ومن الناحية الاجتماعية يصادف في هذا الموسم أن تزدهر حفلات الزواج في كل قرية، حيث تتوفر الظروف المثالية للجميع ليجدوا فيها فرصة لا تعوض للقاء بعضهم البعض بعد طول غياب، وفي هذه الأفراح يمارس الناس ما تبقى من طقوسهم وعاداتهم وثقافتهم الشعبية المميزة، وبهذا يؤصلون موروثهم الإنساني الذي يميز يافع بعاداتها وتقاليدها وفنونها عن غيرها من المناطق والقبل اليمنية من خلال الزوامل الشعبية وفنون الرقص والبرع والمساجلات الشعرية المتميزة الأمر الذي يؤكد حقيقة التنوع وخصوصية الهوية الثقافية التي يتمتع بها كل موروث وتظل الذاكرة الشعبية تحتفظ به على الدوام في اطار عملية حفاظ وتجديد وانتقال تستحق الإعجاب والثناء اذ يشترك فيها الناس جيلاً بعد جيل، وهم في ذلك يقاومون بوضوح كل عوامل التأثير الخارجية الناتجة عن التحولات السياسية والفكرية المتغيرة أو غيرها من العوامل التي تؤثر على عادات الناس وتقاليدها لتبقي على الحضور الذكوري فقط بعد الانحسار الملحوظ للحضور الفاعل للعنصر النسائي الذي كان حضوراً مدهشاً ومميزاًً إلى عهد قريب ولكنه تأثر- ولأسباب كثيرة -بعوامل عديدة وبالتحديد منذ عام 1994وما خلفته الحرب من نتائج في نفوس الناس إضافة إلى الإفرازات الناتجة عن الهجرة والانفتاح والتمدن وآثارها الانعكاسية اقتصادياً واجتماعياً وفكرياً على علاقات الناس وعاداتها .

(وأما إن سألت عن الذراري يمانيات أقمار الليالي)

     فلن يعد بمقدورك ان تشاهد تلك الصورة الأسطورية الجميلة لأميرات وملكات حمير وهن يشتركن بإباء وزهو في رسم تلك الصور النادرة التي لم يبالغ الشاعر العراقي سعدي يوسف حين وصفها في إحدى روائعه الشعرية الموسومة ببلاد القمر، كما لم يعد بمقدورك أن تشاهد تلك الصورة الدالة على الحكمة والحشمة في لباس المرأة اليافعي الذي كان يراعي ويرمز - إلى جانب ما يتسم به من جمال واحتشام - الإشارة إلى الوضع الاجتماعي للمرأة إن كانت متزوجة أو مخطوبة أو فتاة عذراء ولعل في ذلك عاملاً ساعد على الزواج المبكر وعلى انعدام ظاهرة العنوسة حين ذاك ،وهي الظاهرة المؤرقة والمنتشرة اليوم بقوة في كل المنطقة ، وذلك بعد أن دخل الحجاب و انتشر اللون الأسود ليلف النساء ويحجبهن بصورة ترمز إلى الحداد كعنوان للمرحلة من حيث المضمون ، ومن حيث الشكل يحبس المرأة ويجعل منها شخصية مجهولة الهوية ينظر إليها بكونها عورة فقط، بعد أن كانت ولزمن طويل محط اعتزاز بالغ كأم وأخت وزوجة تحتل مكانة اجتماعية واقتصادية كبيرة باعتبارها شريكة حقيقية يعتمد عليها في صنع الحياة ، كإنسان منتج يؤدي مهام عديدة وكثيرة وشاقة لا يستغنى عنها في الحقل أم في المنزل ، مع أن دخول بعض الخدمات وفر عليها بعض العناء كجلب الماء أو الحطب من الوديان والشعاب البعيدة .

     ومع كل ذلك فإن للنساء عالمهن الجميل أيضاً وطقوسهن وعاداتهن البديعة حتى وإن انحسرت ظاهرة الاختلاط ونتج عنها ازدياد نسبة العنوسة التي سيعاني منها المجتمع اليافعي كمجتمع محافظ اتسم بالعفة والنقاء والانغلاق أيضاً.

    والملاحظ أن احتفالات الزواج اليوم تتميز بكثرة الإنفاق المادي على تكاليف تجهيز العروس- مع أن مبالغ الدفع والمهر محددة عرفياً ومجمع عليها داخل القرية وخارجها - وعلى مقايلها وولائمها المنهكة والمهلكة للجميع التي لا ينجو منها لا العريس ولا آل العروس، وأظن أن الكل يعاني من الفرح أكثر من ممارسة الفرح ذاته ومن باب المؤازرة لا يمتلك المرء سوى مشاعر الإشفاق المعنوية بعد أن غابت مواقف الدعم المادي التي كانت تميز علاقات التعاون بين الناس عند الزواج أو البناء وحين يتعرض المرء لمحنة ما، لهذا أصبحت الهجرة والاغتراب أحد أهداف الشباب وكل من بلغ سن الرشد ليمضي سنوات يكافح من أجل هذا اليوم الموعود وليثبت أنه أصبح في نظر الناس رجلاً يستحق التقدير ويحظى بالاعتراف الاجتماعي بصفته أصبح رجلاً استطاع أن يتزوج وأن يبني بيتاً و يمتلك ما يمتلكه الآخرون ، ولهذه النظرة الاجتماعية أثرها الكبير في تحديد خيارات ومستقبل وتشكل شخصية الرجل اليافعي، حيث يحتكم الجميع لها ، ومن شذ عنها لا يحصل على الاعتراف الاجتماعي المطلوب كما لن يتمتع بامتيازات هذا الاعتراف القاسي، لهذا تجدهم يصارعون من أجل استيفاء شروط ومتطلبات هذا الاعتراف المادية والاجتماعية ومعاييره وبمسمياته المتغيرة والمتحولة مع الزمن أو من مرحلة إلى أخرى لتصبح في مجملها أهم محفزات وجودهم ونشاطهم الإنساني القائم على التماثل والتنافس لتحقيق الذات والنجاح.

    وهذا ما يفسر ظاهرة العزوف والانقطاع المبكر عن مواصلة التعليم وبالذات في الأعوام الأخيرة حيث تشير مخرجات الثانوية بقسميها العلمي والأدبي لهذا العام مثلاً إلى تخرج 326 طالبا و30 طالبة في حين بلغ عدد الطلاب المنتقلين إلى الثانوية العامة 1020 طالباً وطالبه ، وهذه الظاهرة ملازمة للإنسان اليافعي منذ زمن قديم وتقف وراء هجرته الدائمة ، وعنائه وكفاحه الدءوب وانتشاره في كل بقاع الأرض ، ليحقق الكثير منهم نجاحاً كبيراً كانت البداية فيه كسب ما يمكنه من شراء بندقية يزهو بها كقبيلي أمام أقرانه حين عودته، ومن هؤلاء من حقق مع الزمن إمبراطورية مالية ونجاحاً مشهوداً لم يكن يخطر ببال ، والأكيد أن وراء هذا النجاح خاصية الإنسان المكافح والمنتج والعصامي وتلك القيم الاجتماعية والإنتاجية الإيجابية الجميلة كحب العمل والتغلب على المشاق والصبر والتحمل ، أي تلك القيم التي غرستها مدرسة الحياة الشاقة في هذه الشخصية بحكم قساوة الظروف والحياة والطبيعة في المنطقة ليصبح الناس فيها أشد بأساً منها ولسان حالهم يقول :

لنا التاريخ يشهد في جلاء ولا لبس هناك بأي حال

بأنا من ذُرى جبل منيفٍ هبطنا كالنسورِ لذي سفال

وشرقنا لأقصى ألأرض حتى وصلنا أرض جاوة كالهلال

     وبالنسبة للشباب اليوم فمما يبعث على الارتياح هو تنافسهم الواضح وتوجههم الجاد نحو العمل المنتج والتعاون والتنافس في الحفاظ على الموروث الثقافي ، ومع أنه لا بديل ولا طريق آخر غير التعلم والمدرسة لكنهم يعانون كثيراً من رداءة العملية التعليمية ومن الفراغ الكبير ومن الحال المعيشي العام ليجدوا في الهجرة المبكرة عالمهم وفضاءهم الجديد لتحقيق ذاتهم وآمالهم الموءودة .

لكل شيء ضريبة

    ومع وصول الخدمات المدنية إلى الهضبة وهي الخدمات التي ظلت ولزمن طويل أحلاماً وآمالاً راودت مخيلة الناس جيلاً بعد جيل وهدفاً لنضالهم الطويل والصبور، من أجل تغيير معالم الحياة للتخفيف من المشاق ومظاهر الجهل والفقر والمرض التي فرضتها حياة العزلة والطبيعة القاسية لتصبح اليوم بعد نضال وإصرار كل الناس واقعاً حقيقياً هي في مجملها نعم حقيقية ، لو حكيت عن بعضها للمرحوم والدي الذي توفاه الله قبل أن يراها لما صدق ذلك وهو الذي مع أقرانه كانوا يقطعون المسافة بينها وبين عدن بثمانية أيام سيرا على الأقدام واليوم أصبحت المسافة نفسها تقطع بثلاث ساعات ، وهكذا الحال حين أشرح لأبنائي حال الأمس والمعاناة فهم لا يتخيلون كيف كان الحال قبل ثلاثة عقود ، الأمر الذي يؤكد أن الحلم الإنساني عملية مستمرة ومتواصلة لا تتوقف وإن لكل جيل أحلامه وآماله انطلاقاً من واقع الحال .

     وهكذا الحال مع انتشار المدارس والمستشفيات والكهرباء ومياه الشرب والاتصالات ونشوء الأسواق المليئة بالبضاعة بكل أنواعها ليزدهر العمران كماً ونوعاً بفضل سهولة توفر مواد البناء وتيسر نقلها ، ومقابل كل هذه النعم الجميلة يقال إن لكل شيء ضريبته أو أن لكل تقنية خطورتها ، وهو ما بدأ يتشكل وينشأ كنتاج طبيعي لدخول الخدمات المدنية وما تفرضه من عادات جديدة لم يرتق بعد السلوك أو الوعي الاجتماعي أو الفني إلى مستوى إيجاد الحلول لها ومعالجتها بصفتها ظواهر جديدة لم تكن مألوفة ويتضمنها قاموس لغتهم وحياتهم إلى قبل سنوات ، ونقصد بذلك التعامل مثلاً مع قضية النظافة والصرف الصحي وما ينتج عنهما من مساوئ صحية وبيئية ملحوظة كانتشار أمراض الملاريا والتيفوئيد والفيروس الكبدي وغيرها ، بسبب انتشار القمامة في الأسواق وفي القرى وعلى قارعة الطريق الإسفلتي وفي الوديان ومصبات السيول والسدود بصورة مقززة ومعيبة ، وكذا مساوئ الصرف الصحي التي لا يدرك الناس بعد مخاطرها القادمة في ظل انعدام الحلول والنظرة القاصرة في التعامل مع هذه الظواهر الجديدة التي تفرض على الناس وعلى السلطات المشاركة في إيجاد الحلول العلمية والعملية بما يتفق وطبيعة المنطقة الجغرافية .

    إذ قد لا يصدق البعض ان تصريف القمامة المتجمعة يوميا - من الأسواق فقط - يتم في عدن بسبب صعوبة الحصول على مكب قمامة قريب داخل المنطقة او بالقرب منها.

 تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 02 يناير 2011 الساعة: 21:22 م