الأربعاء، 28 يناير 2015

يافع وكثير من القصص والتاريخ

يافع وكثير من القصص والتاريخ









العدد 13236 الجمعة 22 نوفمبر 2002 الموافق 17 رمضان 1423 

عكاظ في يافع ( 1 )

     فضل مبارك

   قسمت بلادهم بين لحج وأبين

ما الذي دفع اليافعيين للجوء الى الجبال ؟



    يقول زين محمد القعيطي اليافعي مؤلف كتاب " يافع ..صفحات من التاريخ اليمني" ان طبيعة تركيبة سكان يافع التي تكونت عبر العصور من الناس الرافضين للظلم الاجتماعي وهي التي دفعتهم الى اللجوء الى تلك الجبال للاحتماء بها لمنعتها من أي هجوم أو غزواً او مطاردة من قبل السلطات الظالمة .

    ويافع التي قسمت ادارياً بين محافظتي لحج وابين , وتقع على هضبة صخرية كبرى في الشمال الشرقي من عدن .. وترجع مصادر التاريخ نسبها الى يافع بن قاول بن زيد بن ناعثة بن شرحبيل بن الحارث بين زيد بن يريم ذو رعين الاكبر .

    على ان هناك من ابناء يافع من يرفض هذا التقسيم ولايقر به ولا يرى جدواه من منطلق انها فرضته دواع سياسية اوجبتها عملية اعادة تقسيم المناطق جنوب اليمن عقب استقلاله عن بريطانيا في 30 نوفمبر 1967م ويذهب البعض من هؤلاء الى الاعتقاد بأنه كان يهدف من وراء هذا التقسيم الى اضعاف وابهات يافع ودورها ككيان اجتماعي قبلي متوحد .

    واليوم نجد ان الرياح تهب في اتجاه احياء نمط التقسيم القبلي الذي كان سائداً ايام الاستعمار وما قبل 67م وذلك من خلال اعادة " نظام " القبيلة وان كانت هناك " معارضة " تحمل في جوهرها اتجاهين :

الاول : رفض فكرة احياء نظام القبيلة اساساً .

الثاني : رفض مبدأ التوارث لمشيخة القبيلة باعتبار ان هذا المبدا لا يترك فرصة للاكفاء من الناس وفيما حدث " تمرد" الى حد ما في الاتجاه الثاني لصالح دعاة  " المعارضة "  فإن الاتجاه الثاني " اصبح " لايكاد يسمح حدوثه فأنت تجد اكثر من 80% من الاجمالي يلجأون في حل مشاكلهم وقضاياهم الى العرف القبلي والسبب يكمن فيما يكتنف اجهزة القضاء والامن وغيرها من فساد وتباطؤ في حل قضايا الناس .

سلطتا يافع

    وعلى رغم من غدو " الثأر" الى ظاهرة في بعض مناطق اليمن أخذت تأكل الاخضر واليابس وتلقي بضلالها على برامج التنمية كهم اخذ يتزايد يورق الدولة ويقوض من اركانها امتدت شرارته لتصيب المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن الجنوبي سابقاً والذي ظل الثأر فيه خامداً منذ الاستقلال في 67م وفي يافع اصبح هناك شبه اجماع بين القبائل على طي صفحات الماضي وعدم استجرار ثأرات ما قبل الثورة .
    واتذكر انه في عام 98م كنت ضمن المدعوين الى " لبعوس " لحضور اشهار وثيقة عهد وشرف بين القبائل اليافعية لنبذ الثأر بين ابنائها واعتبار أي فعل مرتكب بالقتل فعل شخص يجرم صاحبه وينال جزاءه حسب القانون … وذلك على ضوء قيام شخص بقتل خمسة اخرين …


    يافع بتكوينها القبلي تتكون من فرعين يافع العليا بنو مالك : يحكمها بيت بنو هرهرة ويافع السفلى "بنو قاصد " ويحكمها بيت العفيفي.. وكانت يافع تشكل سلطنتين في نطاق سلطنات ومشيخات الجنوب اليمني ولعل العوامل الجغرافية والاجتماعية والسكانية هي التي افرزت ذلك التقسيم المتميز والفريد حتى يتسـنى بالتالي " السيطرة " على المنطقة من قبل    " السلطان " .





الاحد 24 نوفمبر 2002 الموافق 19 رمضان1423 العدد13238


عكاظ في يافع ( 2 )


في القصة ما يشبه الأسطورة
سر " الطبل " لا يعرفه إلا " اليافعيون "
السيارة بدلاً من الحمار في سلوك طريق القارة
يافع وكثير من القصص والتاريخ


    "داعي يافع واحد " … اصبح مثلاً يضرب متجاوزاً حدود المنطقة للدلالة على سرعان الإجابة واللمّة .. ما بين " طبل يافع "الذي كان صوته حين يقرع إشارة نداء يتوجب على رجال القبائل تلبيته . إلى " القارة " تلك المدينة الرابضة على تلة الجبل في مقام فريد من نوعه إلى الاميرة نور بنت عفيف التي أبلت في المعارك وقادت جيشاً للذود عن أرضها .. حكايات وقصص تتناقلها الالسن هناك ويسمع بها كل زائر إلى يافع , وهي جديرة بان تروى وإن كان تناقلها وانبهار البعض بها قد أوقع بعضاً من تفاصليها فيما يشبه الأسطورة .

        كانت قبائل يافع تمتلك طبلاً مصنوعاً من معدن اصفر " النحاس " عثر عليه بين انقاض أثرية في وادي " حطاط " وكان لا يخرج من موقعه إلا ليقرع .. وعندما تسمع قرعاته في جبال وسهول يافع حيث يتم الدق في قمة أعلى جبل لتصل إلى ابعد مدى … فإن تدافع رجالها يكون على أشده فذاك – حسب قانونهم – دعوة أو اعلان حضور – لأمر ما .. قد يكون حرباً .. وقد يكون اجتماعاً طارئاً للتشاور بين الدولة – السلطان – ورجال القبائل .

    وأذكر أن قادني صديق في مطلع الثمانينيات الى المتحف الحربي الكائن في قلب عدن ليريني " طبل أجداده " . وما يروي عنه من الشجاعة والتنظيم والطاعة لولي الأمر , والطبل له شأن وحرمة عندهم لا يعرف سره , ويعتبرونه رمزاً لتوحيد قبائل يافع .. ومن الحكايات التي يفاخر " اليافعي " بروايتها .

    عندما اكتسحت جيوش الإمام المتوكل اسماعيل بن القاسم … في النصف الثاني من القرن الحادي عشر هجرية .. العديد من مناطق اليمن ومن ضمنها منطقة يافع أراد جنوده الاستراحة من عناء السفر وجهد المعارك فقصدوا " مسجد النور " بمنطقة " الموسطة " التي تقع على بعد أميال من " القارة " وفجأة سمع دوي قرعات الطبل تتردد في الأرجاء الممتدة على طول وعرض منطقة يافع , بعد أن تحرك من موقعه تلقائياً – كما تذكر الروايات - .

        وعلى صدى دقات الطبل " الذي لم يره أحد " تقاطر رجال القبائل من كل حدب وصوب يسيرون على هدي دقاته إلى أن قادهم إلى " مسجد النور " حيث يقبع – في الاسترخاء – جنود الإمام المتوكل الذين ذعروا من سماع صوت الطبل وولوا هاربين عندما رأوا كثافة رجال قبائل يافع تتدافع نحوهم .. وعاد الطبل الى موقعه بعد أن أدى مهمته .. ولم يعرف على وجه التحديد بدء تاريخ استخدام الطبل وفي عهد أي سلطان .

المجاهدة نور


    أما الأميرة نور بنت عفيف فقصتها أشبه بحكاية " جان درك " 1412-1413م القديسة عند الفرنسيين , كما يقول المؤرخ حسن صالح شهاب الذي أفرد لها فصلاً في كتابه " يافع في عهد سلطان آل عفيف وهرهرة " … فهذه قاتلت الانجليز , ذوداً عن وطنها فرنسا , وحكم عليها بالموت حرقاً , وتلك – كما تقول الحكايات التي لازالت تروى منذ نحو أربعة قرون من الزمان – كانت في مقدمة رجال يافع في مقاومة حكم الإمامة " هي الأميرة نور بنت عفيف زوجة السلطان معوضة – سلطان القارة يافع السفلى والتي قبض عليها عسكر الإمام وهي تقوم مع عدد من جواريها بتسريب السلاح والذخائر إلى رجال القبائل الذين يحاربون جيش الإمام .. فاقتادوها كرهينة – مع جواريها – الى سجن القلعة برداع .. وبعد أن منح الإمام زوجها الأمان أطلق سراحها ..


     ومما يروي عنها أنها حين سمعت قرعات الطبل حملت سلاحها واقتفت أثر الصوت تقود حشداً من رجال القبائل لمقاومة عسكر الإمام في محطتهم بـ " مسجد النور " ..واخذت تلاحقهم بعد هروبهم إلى جبل " العر " أعلى جبل في يافع .. حيث تحصنت جيوش الإمام هناك في أعلى الجبل .. بينما بقيت الأميرة تقود جيش يافع مرابطة في الأسفل .. ثم هداها تفكيرها ومن معها بأن يشقوا سرداباً من أسفل الجبل إلى أعلاه ليتمكنوا من القضاء على جند الإمام .. وطوال خمسة عشر عاماً – ظلت تخوض معركتها على شقين " مقاومة هجمات عسكر الإمام ومواصلة حفر السرداب " .. وقبيل بلوغ السرداب غايته – كما يحكي – بعد امتار سمع عسكر الإمام أصوات الحفر تحتهم فولوا هاربين تلاحقهم ضربات قبائل يافع إلى البيضاء … ومازالت معالم السرداب مرئية للعيان وشاهدة حتى اليوم.



القارة .. الفرادة .. التميز

        على قمة جبل شاهق , نحتت جوانبه دائرياً بشكل رأسي بحيث يتعذر التسلق والوصول الى القمة إلا من مدخل واحد عرضه نحو خمسة أمتار … أغلق بإحكام وعبره سدة تؤدي إليها درجات منحوتة في الصخر – تناثرت بيوت ومنازل آل العفيفي – سلاطين يافع السفلى وحاشيتهم – كمعقل للدولة .. أما اليوم فقد شقت طريق – غير معبد للسيارات إلى القارة …




    والقارة كما يقول – كبار السن من أبناء يافع مكان مقدس يهابه الناس وتمنع الحرب والقتال فيه .. لصعوبة الوصول الى القارة – قبل أن يشق طريق السيارات فقد انطلق المثل الشعبي " حمار القارة " يضرب به عند عدم الاستنفاع من مجهود شخص ما .

    حيث يروى أن الأهالي كانوا يحملون الحمير " قرب " الماء للصعود بها من أسفل إلى القارة وحين تصل بها لا تكاد تروي عطشه . 




الاربعاء 27 نوفمبر 2002 الموافق  22رمضان 1423 العدد13241


عكاظ في يافع ( 3 )



من دخل برضاه خرج برضا غيره
اليافعيون يفرحون باصوات الرصاص



    انطلقت أول طلقة من بندقية آلية , لم يمهلني الوقت كي اسأل من بجانبي عنها فاذا بلعلعة الرصاص المنطلق من كل اتجاه يضئ عتمة الليل ويحيل سكون المكان الى شئ مختلف كلياً لايمكن تصوره الا لمن شهد واقعة حرب ضروس.

    نصف ساعة تقريباً اطلق فيها نحو الفي طلقة … وما ان استعاد المكان هدوءه حتى شقت عنان السماء زغرودة طويلة تلاحقت بعدها زغردات النسوة وعلت ايقاعات الطبول مصحوبة باغنيات شعبية :

                             على الحنا وعلى الحنا
                                                   يـهـنا مـن تحنا به

                             على الحنا وعلى الحنا
                                                  نعيمة نقش على اليدين

                             على الحنا وعلى الحنا
                                                 نعيمـة جـوهرة لحناش


     اذن تلك كانت " حالة " اعلان لمرحلة من مراحل وخطوات " زواج يافعي " وتسمى " الحناء " حيث تقوم النسوة من الاهل بوضع الحنا على شعر وجسم "العريس والعروس " .


    واطلاق الاعيرة النارية ظاهرة تلازم الاعراس والافراح في يافع .. اذ يقوم العريس واهله واقاربه باعتماد ميزانية خاصة لشراء الرصاص الذي لا يكاد يتوقف اطلاقه في كل مرحلة من مراحل الزواج أو عند قدوم كل ضيف أو مشارك في الزواج .. وعند قدومي إلى دار العرس الذي حضرته في منطقة العرقة اثناء جولتي في يافع تفاجأت ان استوقفني الرجل بعد ان قدمت نفسي _ عرفت لاحقاً انه اب لاحد العرسان _ وظننت انه يفسح لي الطريق للدخول فاذا به يعود رافعاً بندقيته الالية الى الاعلى ومعه شخصان اخران واخذوا يطلقون سيلاً من الرصاص ضاعت في ثناياها كلمات الترحيب التي كانوا يرددونها .


    ومن عادة الزواج في يافع الذي يستمر ما لا يقل عن اربعة أيام لا يسمح للضيف بالمغادرة قبل انتهاء جميع مراحل الزواج … وعبارة .. " من دخل برضاه خرج برضاء غيره " تسمعها مع كل محاولة لطلب الاذن بالمغادرة من اهل الشأن .

    ولا تقتصر تكاليف الزواج على مهر العروس الذي يصل الى نصف مليون ريال يمني , وهدية العروس التي يشترطها اهلها والمكونة عادة من طقم ذهب وحزام ذهب وملابس تصل قيمتها الى نصف مليون ريال , لكن تكاليف اخرى تكون حضرة ما يجعل الزواج في نظر ابناء المناطق الاخرى _ تحديداً الجنوبية _ اكثر من باهضة .. فالعريس يتحمل نفقات ضيوفه فترة الزواج " من 3 - 7 ايام " من مأكلهم ومشربهم وقاتهم فكل عريس واهله يحرصون على ان " تفوح " سمعتهم كرماً … و "يسيل من فوق رؤوس الضيوف " كما قال حسن موسى احمد : مراحل الزواج عند ابناء يافع تنقسم الى اربع مراحل .

1- الحنا.

2- " الشواعة " حيث يذهب العريس ورفقته إلى أهل عروسة بالهدايا والاغنام تصاحبهم الطبول والاهازيج ولعلعة الرصاص .

3- "المرواح " اخذ العروس من منزل ابيها الى منزل زوجها وعادة ما يكون نهاراً …وبعدها بساعات يتبع أهل العروس ابنتهم الى منزل زوجها .

4- "البراك" , " الصبحية " حيث يتم خراج العروس في صحن المنزل لتهنئتها من قبل الاهل و الحاضرين  ويتم تقديم " الرفدة " للعريس وهو مبلغ مالي من كل شخص كل حسب قدرته وعلاقته بالعريس . وبقاء العريس بجوار عروسه لا تتعدى الشهرين ومن ثم فالسعي لطلب الرزق اولى .. وبعد كل عامين او تزيد في حالة الهجرة الخارجية وعام على الهجرة الداخلية ..يكون نصيب " الزوجين " في لقاء متجدد … وهكذا في معظم الحالات . ينقضي العمر .. حتى ان "العرس" _ كما قالت ام محمد _ التي استطاعت الهجرة مع زوجها إلى عدن بعد ان ذاقت ويلات البعاد.

    ان العروس اليافعية تكاد تنسى ملامح عريسها الذي يغادرها قبل ان تتعرف عليه .. فهي تقضي شهري عسل وبقية العمر بصل . ومع ان الزواج مكلف " جداً " في يافع مقارنة بمناطق الجنوب في اليمن الا انه ما ان يبلغ الشاب السادسة عشرة _ احياناً اقل _ الا وقد دقت طبول زواجه .. اما الفتاة فان زواجها يكون عادة دون تلك السن ليس بكثير ولا يرتبط ذلك بالمستوى التعليمي أو الثقافي لكنه حالة طبيعية فزواج الابن في هذه السن ليس حباً فيه او درءاً لمغمسة كما قال محسن ضيف الله لكنه من اجل استنفاع الاسرة بزوجة الابن في حراثة الارض التي تقوم بشكل اساسي على النساء والقيام بجلب الماء واعمال المنزل الاخرى … وكثيراً ما تجد ابناء يافع متزوجين وهم لازالوا في مقاعد الدراسة الاساسية او الثانوية وفي كثير من الحالات تجد الاب والابن زملاء في مقاعد الدراسة .




الجمعة 29 نوفمبر 2002 الموافق 24 رمضان 1423 العدد 13243



عكاظ في يافع ( 4 )

لايخلو بيت من السلاح المرأة اليافعية تزرع القات ولا تأكله


    تكتظ الاسواق في مدن يافع بما لا يخطر على بال من البضائع التي تتداخل في شكل عجيب وغريب دون اعتبار لنوعياتها او ما قد يسببه تقاربها من مضار .. فالمواد الغدائية كالارز والدقيق والسمن تجدها جنباً الى جنب مع السجائر والعطورات وتجد الملابس على الرف المجاور للاواني المنزلية .

    وفي السوق تجد كل ما تتمناه " تحت سقف واحد " من الابرة الى السيارة مروراً بالاسلحة وذخائرها…والسلاح عند آل يافع اكثر من ضروري ولايخلو بيت من قطعة سلاح..

    كما ان اقتناء السلاح في يافع لا يأتي من باب حماية النفس والعرض او درء الخطر فالوئام الاجتماعي احسن ما يكون .. ولكن امتلاكها يأتي من زاوية المظهر والزينة , ويستخدم في منافسات الرماية " النصع " وفي الاحتفالات والمناسبات .

    بعد الواحدة ظهراً من كل يوم تفقد مناطق يافع نشاطها وحركة صباحاتها المفعمة بالحيوية .. وتدخل في سبات عميق بهدوء يخيم على المكان لاتصحو منه الا على صراخ الديكة, حيث تبدأ مرحلة يوم جديد بالرغم من ان " اليافعيات " لا يمضغن القات اذ يدخل في خانة العيب والمحرم على المرأة ..وتقوم المرأة اليافعية بزراعة القات والاعتناء به وقطفه باعتباره مصدر دخل رئيسي .. على عكس النساء في المناطق اليمنية الاخرى المشهورة بزراعة القات التي فيها " عادة " مضغ القات امر طبيعي عند المرأة .

    أما رجال يافع فقل ما تجد احدهم ما بين سن الـ 15 وما فوق لا يتناول القات .

    ومع انه لا يعرف على وجه التحديد كيف ومتى دخلت شجرة القات الى المنطقة فان هناك جهوداً تبذل كما قال عادل شيخ سالم الامين العام للمجلس المحلي بمديرية سباح . للحيلولة دون التوسع في زراعة القات على حساب المحاصيل الاخرى …واشار الى جهود السلطات المحلية في المديرية المكونة من خمس مديريات ادارية . ثلاث تتبع محافظة ابين واثنتان لمحافظة لحج . من خلال توعية المزارعين باضرار القات سواء من حيث استنزاف المياه او ما يسببه من امراض للانسان .. ويحرص كثير من ابناء يافع على ان يكون لحقول الذرة والحبوب الاخرى .. وانواع الفواكه مثل الرمان والليمون والمانجو نصيبها من مساحة الارض المزروعة وان كان محدوداً الا انه مرئي للعيان في المدرجات الزراعية التي ابتدع اليافعي صنعها بعناية فائقة للحد من مخاطر مياه الامطار التي تتدفق سيولاً من اعالي الجبال , وذلك ببناء محكم يحير المشاهد لحجم الكتل الحجرية التي لا ترفع الا بالآلة الزراعية " الشيول " و " الجرار " , ويتم احضار التربة من مناطق بعيدة ..

    أما الاودية فان غابات من الاشجار المعمرة تتشابك في نسق جمالي أخاذ .. وتحديداً اشجار السدر " العلب " وانواع اخرى بكثافة اقل من اشجار لا يعرف هويتها , يستخرج منها ثمر بحجم الكرة يؤكل له طعم حمض خفيف يسمى " ترنج " واخرى عندما يجرحها الانسان يسيل منها ما يشبه اللبن سرعان ما يتجمد ويمضغ على هيئة " لبان " .

    وكل اسرة تعرف ملكيتها من تلك الاشجار التي تقع في بطون الاودية والتي عادة ما تستخدم كأعلاف للماشية وبالذات شجرة السدر . وتستخدم كأخشاب في سقوف المنازل .

تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 28 ديسمبر 2010 الساعة: 01:59 ص

الاثنين، 26 يناير 2015

شائف محمد الخالدي




رجال في ذاكرة التاريخ


شائف محمد الخالدي


   نجيب محمد يابلي


     شائف محمد الخالدي: حصاد شعره (106) البومات غنائية .. الولادة والنشأة .. شائف محمد خالد القعيطي (أبو لوزة) من مواليد 1932م في يافع العليا، الموسطة، القعيطي، وادي الجاه «وهي منطقة تميز ابناؤها بتوارث ملكة الشعر عن آبائهم وهو ما حدث مع الطفل شائف بن محمد الخالدي الذي بدأ ينظم أولى قصائده بمجرد تعلمه قراءة القرآن والكتابة في (المعلامة) فكان لؤلؤة لامعة ثمينة في عقد ضم عدداً ممن ورثوا الشعر عن آبائهم ومنهم سالم علي المجدش وقاسم عوض وسعيد يحيى المجدش وغيرهم» (راجع ما كتبه احمد الحامد في كتاب تأبين الفقيد الخالدي - ص 79).


شائف محمد الخالدي




عدن أولى محطات الخالدي

    شد الخالدي الرحال الى بندر عدن في العام 1948م وكان في ربيعه السادس عشر واستقر به المقام في مدينة المعلا حيث عمل عاملاً في مينائها العريق وكان زملاؤه يختارون العراء لسورهم فيما كان هو يختار موقعاً فيه مساحة من النور يسعفه للكتابة المرهونة بهاجس الشعر، سلاح الخالدي الذي دفع ثمنه، عندما نفته السلطات البريطانية أواخر خمسينات القرن الماضي إلى جعار لنشاطه الملحوظ في جمعية الاصلاح اليافعية التي اندمجت مع عدد من التنظيمات السياسية والاجتماعية لتشكل الجبهة القومية. 
   
    حرص الخالدي اثناء اقامته في جعار على السهر في ساحة فرن الشعملي لكتابة أشعاره في حين كان زملاؤه نياماً ولا يسهر الليل الا من عنده اعتمالات الشعر وهي تعصف به من داخله.  


الخالدي في صفوف الثورتين

    لئن كانت السلطات البريطانية قد نفت الخالدي أواخر الخمسينات من عدن الى جعار فقد شاءت الاقدر للخالدي مواكبة الانتفاضة التي قادها محمد بن عيدروس العفيفي وأحمد بن بوبكر النقيب وزملاؤهما ومنهم صالح عبداللاه البادع ومحمد صالح المصلي ضد السلطات البريطانية عام 1958م.

    لبى الخالدي مع آلاف الجنوبيين نداء الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962م في الشمال وحملوا أرواحهم على أكفهم ولم ينتظروا جزاء ولا شكوراً ورابطوا في كل جبل وواد. التحق الشاعر المناضل الخالدي بصفوف الحرس الوطني وسجل موقفاً ميدانياً في معارك الشرف: معركة ارحب والحيمتين وجحانة خولان وغيرها.

    عند قيام ثورة 14 اكتوبر 1963م في الجنوب، عاد الخالدي الى عدن والتحق بجبهة الاصلاح اليافعية وسبق أن تطرقنا الى دورها، ولم يسقط السلاح من يد الخالدي، حيث التحق بالشرطة الشعبية بعد الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م وظل الخالدي في السلك الشرطوي حتى عام 1972م قبل انتقاله الى وزارة السياحة عاملاً بأجر زهيد. 

    بلغ البؤس بالخالدي وبمناضلين آخرين مبلغاً عبر عنه الخالدة بقصيدة قال في مطلعها:


وللوا على اموالي عصابة سارقة
شلة خبيثة لا لها مبدأ ولا ميثاق

كلوا شقانا بالشموس الشارقة
وشلوا السامان ما خلوا لنا معلاق


الخالدي والحس القومي المبكر

     اعلن الشاعر المناضل الخالدي انحيازه لزعامة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وهي الزعامة الكاريزمية التي سيطرت على مشاعر الأمة العربية خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حيث جاءت قريحة الخالدي بقصيدة في 16 اكتوبر 1958م جاء في مطلعها:

الخالدي قال يالعين اسهري
وواصلي بالسهر مثلي ليال

خليني اسلي ويسلي خاطري
لما سمعت المعارك والقتال

في مصر قاموا على المستعمري
وانتفض الشعب وابطال النضال

بالبندقية وطعن الخنجري
لبوا نداء دعوة القائد جمال

    برزت النزعة الوحدوية عند الخالدي عندما قال في نفس القصيدة:

متى عسى يا سحابة تمطري
على يمنّا جنوبه والشمال

الخالدي والهاجس الوحدوي

    لم يكن الخالدي من دعاة التأجيج للاحتقان الذي اعترى العلاقات الجنوبية - الشمالية وهذا هو الخالدي ينادي صنعاء في احدى قصائده عام 1972م:

صنعاء اليمن يا عاصمة بلادي
لبي النداء وحققي مرادي

اليك يا صنعاء عدن تنادي
والشعب اعلن نجدته ولسعاف


    هذا هو الخالدي يعرب عن ابتهاجه بالوحدة اليمنية التي تحققت:

وبعد وحدة بلادي
وجمع شمل الاهالي

با ارتاح راحة سعيدة
وان مت باموت سالي

باودي اخبار طيب
لبي وعمي وخالي

واشرح لأهل المجنة
اخبار اول وتالي

الخالدي وعزة «سرو حمير»

    لئن عبر الخالدي عن انتمائه القوي والوطني، لكن تبقى الارض مسقط الرأس وهاجس الرأس وهنا يقول الخالدي:

عزي بيافع مسقط الرأس الابي
افخر بانه وكر اشبال النمار

مالك وقاصد جزء واحد من جسد
ذا جنبي الايمن وذا الجنب اليسار

الخالدي .. «خذ وهات» وعشرات الالبومات

    يحسب للشاعر الشعبي الكبير شائف محمد الخالدي دوره في احياء تراث شعراء النقائض في الادب الاسلامي (جرير + الفرزدق+ الاخطل) مع سلسلة من شعراء اليمن المعروفين من ابرزهم أحمد محمد الصنبحي وأحمد علي طاهر القيفي وأحمد عبدربه المعمري وعبدالله صالح العلفي ومحمد عبدالله بن شهيون.

    طبقت شهرة قصائد الخالدي الآفاق سيما وأنها اخذت نصيبها الوافر من التلحين والغناء، وقد ساح إبداع الخالدي في 3000 قصيدة على امتداد مشواره في الشعر خلال الفترة 53-1999م وصدرت من اشعار الخالدي 106 البومات غنائية بصوت المطرب حسين عبدالناصر، كما غنى له كل من علي جابر اليزيدي وعلي صالح اليافعي وغيرهما (راجع «الاتحاد» الاماراتية، العدد 7744 - 21 ابريل 1996م) .  

شعر الخالدي: مرآة الواقع الاجتماعي

    عندما تقرأ الاجيال القادمة شعر شائف محمد الخالدي ستتمكن في الوقت ذاته من قراءة الواقع الاجتماعي الذي عاشه الشاعر، واخترت مثالاً لهذا الغرض :

عليك بالله يا وقت العياء والنكد
غير طباعك وبدلها وخل العناد

حدد محل الثعالب من محل الاسد
لا تعطي النذل فرصة يستغل العباد

النذل لا حصل فرصة طغى واستبد
وبايسوي مناكر فاحشة في البلاد

 الخالدي قال شايف
من شله السيل شله

ماينفعه مال ورث
ولا يفيده بكا اهله

كم ناس سارت وراحت
غيره ودونه ومثله

سرو حمير تستقبل ولدها الخالدي

     بعد صراع مرير مع المرض دام عدة اشهر فاضت الروح الطاهرة للمناضل والشاعر والانسان شايف محمد الخالدي في نهاية الرمق الاخير من ليل 31 ديسمبر 1998م في غرفة العناية المركزة بمستشفى السلامة بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية، ولم يفت ولده خالد شايف الخالدي بان يسجل امتنان الاسرة الكرام من ابناء سرو حمير الذين وقفوا الى جانب والده في محنته وعلى رأسهم الشيخ الفاضل عمر قاسم العيسائي والشيخ محمد عبدالحافظ بن شيهون والشيخ قاسم الشرفي والشيخ محسن علي النقيب والشيخ قاسم ثابت العيسائي، كما سجل شكره لكل من ساهم واجتهد لنقل جثمان والده الى ارض الوطن وعلى رأسهم الوالد علي بن علي ابوبكر.

    وفي ثرى سرو حمير (يافع) ووري الجثمان الطاهر للخالدي ومثلما اعتز الخالدي بأرضه يافع فها هي ارض يافع تبادله الاحسان وتستقبله وتحتضنه.



تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 23 ديسمبر 2010 الساعة: 17:49 م 

قهوة وعرسان في يافع

قهوة وعرسان في يافع

إضافة تسمية توضيحية
        نادرة عبدالقدوس


في صباح يوم قائظ من أيام الصيف , والشمس ترسل اشعتها الذهبية , حزمنا أمتعتنا وتهيأنا الرحيل إلى ( يافع ) كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحاً عندما بدأت حافلة الركاب (التيوتا)_ سعة الستة عشر راكباً _ تشق طريقها من مدينة الشيخ عثمان في محافظة عدن _ باتجاه محافظة (لحج) شمالاً حيث تقع فيها مديرية ( يافع ) وهي واحدة من مديريات لحج الخمس والشهيرة بجبالها الشامخة وبمدرجاتها الزراعية وبوديانها العميقة وبطقسها المعتدل صيفاً والبارد شتاءاً , حيث تهطل الامطار معظم فصول السنة وتزداد غزارة في فصل الشتاء فتكون السيول التي تأتي بالخير لأبناء يافع وللمناطق المجاورة لها في لحج , وأحياناً تسبب هذه السيول الكوارث التي تسقط على رؤوس الأهالي فتحيل حياتهم جحيماً لا يطاق .

                                                                                      البيوت في اعلى قمم الجبال

    تبعد مديرية يافع عن محافظة عدن بحوالي 120 كم , ويبلغ عدد سكانها حوالي 250 ألف نسمة موزعين على مراكز لبعوس ( العاصمة ) والحد ووادي يهر , مضت ساعة ونصف الساعة قبل أن نصل إلى منطقة ( حبيل جبر ) في مركز ( الحبيلين ) الواقعة في مديرية ردفان , ثاني مديريات لحج , لتناول بعض الاطعمة والمشروبات وأخذ قسط من الراحة لم نتأخر كثيراً في البقاء في الحبيلين وواصلنا الرحلة على طول طريق غير ملتوية باتجاه يافع .. كانت الطريق سهلة ومنبسطة أمامنا .. وبعد مرور ساعة شعرنا بأن السيارة تنحدر بنا يميناً حيناً ويساراً حيناً آخر في التواءات وانحناءات متوالية , ثم ترتفع بنا تارة وتنخفض تارة أخرى , لم أكن حينها قد عرفت اننا مع بدء أول انحناءة نصعد جبلاً شاهقاً يبلغ ارتفاعه حوالي (2000) متر فوق البحر ويدعى (( نقيل خَلاَء )) وفجاءة بدأت السيارة تخفف من سرعتها فتيقنا من انتهائنا من السير على طريق مرصوفة لنبدأ مشوارنا الصعب فوق طريق وعرة وخطرة تسمى طريق (( العسكرية – لبعُوس )) التي وقف الاهالي هناك ضد مشروع شقها ورصفها لتصل الى الهضبة (( لبعوس )) بحجة ان مزارعهم وبيوتهم تقع عليها ويقول الاهالي انهم سيخسرون ستة الاف شجرة من اشجار البن وأربعين بناية بين منازل وحظيرة أغنام قالت رفيقتي اليافعية الأصل , والتي نزح اهلها إلى عدن منذ سنوات مضت : (( هذا هو ( وادي يهر ) والطريق الوحيدة المؤدية الى لبعوس )) , أخبرتني بذلك بعد ان اجتزنا بصعوبة بالغة طريق ((العسكرية ))  لندخل الوادي الأشد صعوبة ووعورة فقد كان مليئاً بالأحجار الكبيرة الشبيهة بالصخور وبالحفر العميقة , وكانت السيارة ـ وهي تسير ببطء شديد ـ توحي لنا بين الفينة والاخرى وكأنها سترتطم بالصخور وستنقلب بنا , وما أبشع الهلع الذي اصابنا حينذاك . هنا تذكرت ما قاله لي المهندس عبدالله نعمان مدير دائرة التصميم والاشراف في الهيئة العامة للطرقات والجسور في وزارة الانشاءات فرع عدن بأن (( يافع من المناطق الأشد وعورة في اليمن . ومشروع (( لبعوس )) من أصعب المشاريع التي نفذت , ولكنه مشروع لم يكتمل مع الأسف )) . وأضاف قائلاً :(( على الرغم من أن شق هذه الطريق سيكون له جدوى اقتصادية كبيرة في حياة أبناء المنطقة , الا ان الاهالي وأعيان يافع تراجعوا عن موافقتهم على المشروع وعلى ازالة معوقات تنفيذه ,بقلع الأشجار وازالة البيوت الواقعة على الطريق المراد شقها والتي لا توجد طريق اخرى غيرها لشقها , وخلقوا العراقيل والحجج الواهية , ومنذ البدء بتنفيذ المشروع عام 1989م دخلوا في نزاعات مسلحة مع عمال البناء مما أدى الى توقف العمل نهائياً عام 1990 ورحيل الخبراء الصينيين , وتركت المعدات ومواد البناء في العراء , مما تسبب في أكل الصدأ لمعظمها , وما أن وضعت الحرب الأهلية اليمنية أوزارها عام 1994م حتى نهبت المعدات ومواد البناء المتبقية وهكذا اصبح المشروع مجرد اطلال ولم يبق سوى هياكل أليات ضخمة يصعب نقلها من محلها )) . توقفت السيارة أخيراً امام جبل شاهق الارتفاع مرصع حتى قمته بالبيوت المتفرقة والمتناثرة هنا وهناك . وهي مكونة من عدة أدوار ومبنية من الحجر , وبعضها تم بناؤها منذ حقبات مضت ولازالت شاهدة على تقلبات الزمن , والملفت للنظر ان معظم منازل وادي (( يهر)) مصممة تصميماً واحداً سواء القديمة منها أو حديثة البناء , فطابع البناء لم يتغير اما عن طلاء المنازل فهو ايضاً يعكس الوانا موحدة وهي السماوي والأخضر والأبيض .. وأغلب الظن ان هذا التوحيد في اختيار الألوان مرده إلى علاقة الانسان اليافعي بالطبيعة المحيطة به من كل جانب فهنا السماء الزرقاء المعطاءة والاشجار الخضراء الباسقة التي تعطي البن والاثل ( Tamarisk  ) , والنبق والذرة , والتين هنا في وادي (( يهر )) حيث درجة الحرارة لا تتعدى الثلاثين في النهار , وتصل إلى خمس وعشرين درجة فوق الصفر أو أقل منها في مساء تتمتع بطقس جميل ومنعش يمنحك نشاطاً وينفحك بالطاقة .

المرأة وواقعها

    المرأة في يافع كغيرها من النساء الريفيات تحمل على عاتقها أعباء الحياة فهي الفلاحة والحطابة وربة البيت الممتازة . إذ تصحو منذ الصباح الباكر لتجمع الحطب , الذي يستعمل وقوداً للنار وهو الأكثر استخداماً هناك من طباخات البوتوجاز , وتجمع اعلاف الاغنام من مرتفعات الجبال في كيس جلدي تربطه على ظهرها يسمى بالـ (( جِلْعَاب )) كما ان االمرأة هناك المسؤولة عن جلب الماء من الآبار وغالباً ما تكون بعيدة عن المنزل بمسافات طويلة , ان اهمية دور المرأة في يافع بعد غياب معظم الرجال بسبب الهجرة يعتبر عاملاً مهماً في اعاقتها عن اخذ قسطها من التعليم , إذ ما ان تصل الفتاة إلى سن الثالثة عشرة حتى يمنعها أهلها من مواصلة الدراسة بالذات إذا جاءها العريس وخطبها منهم , كما حدث ذلك لطفلة لم تتعد بعد الخمسة عشر ربيعاً عندما زوجها أهلها لشاب أكبر منها بسنوات عديدة , وكانت هذه الطفلة تحلم بمواصلة دراستها وتحقيق رغبتها في العمل كمدرسة , وقد قالت لي بأنها خطبت لعريسها منذ كانت في الثانية عشر من عمرها . كما أن الأفكار العقيمة ما زالت تخيم على عقول الآباء هناك والتي تعيب على الفتاة البقاء بدون زواج بعد سن السادسة عشرة من عمرها.



نقش الحنة على الكفين


    وفي الفترة الأخيرة ـ خاصة بعد قيام الوحدة اليمنية واستبدال (( قانون الأسرة)) الذي كان معمولاً به في المحافظات الجنوبية والشرقية بقانون (( الاحوال الشخصية )) على الرغم من عدم المصادقة عليه حتى اليوم من قبل مجلس النواب , والذي أعطى للرجل الحق في الزواج من أربع بعكس القانون السابق ـ الأسرة ـ الذي منع الرجل من الزواج بثانية إلا لأسباب وضحتها بنوده ـ أكثر الرجال من تعدد الزوجات غير عابئين بالآثار السلبية التي ستترتب على ذلك .. والغريب في الأمر ان النساء هناك غير راضيات عما يحدث لهن لكنهن يقلن ما باليد حيلة .

    ومن المفارقات الأخرى ايضاً ان هناك عدداً من الفتيات اليافعيات تحدين الواقع المؤلم وخرجن للبحث عن تحقيق طموحاتهن بخوض مجال العمل وان كان بسيطاً . فقد التقيت بعدد من المدرسات والممرضات والقابلات خاصة في مدينة لبعوس العاصمة . وهذا التحدي بحد ذاته يعتبر بداية لانطلاقة المرأة اليافعية نحو تغيير واقعها .


زواج أهل وادي يهر

     يحضر العريس مع عدد كبير من عشيرته وأصدقائه إلى بيت أهل العروس الذين يستقبلونه بالرقص والغناء والطلقات النارية وزغاريد النساء , وبعد بضع دقائق يصعد العريس إلى الدار حيث تقبع العروس تحت الغطاء ويبقى مع أهلها برهة من الزمن , ثم تبدأ مراسيم الزفاف والهبوط من الجبل , إلى حيث ينتظر الموكب وسط دموع أمها وأخوتها وأقاربها وزغاريد النساء واطلاق الكلمات المغناة الخاصة بهذه اللحظة , إذ تقول الأغنية على لسان أم العروس وتغنيها صديقات العروس :

ألا باوَدّعش ياسلا قلبي ونور العين ××××× ألا والليلة النور
ألا باوَدّعش والدموع تملأ رموش العيون ××××× ألا والليلة النور

    ومن خلال استعراضنا لبعض الكلمات الغنائية في مناسبة الزواج وددنا الاشارة إلى ان الاغنية اليافعية قد أستمدت فنها الأصيل ولونها المميز من التراث الزاخر بأدواته البسيطة وهي الصوت , الطبل,المزمار وغيرها من الأدوات والآلات البسيطة حتى ظهور آلة القنبوس والعود أخيراً .

    ولا يفوتنا هنا ان نؤكد على ان الأغنية اليافعية ابتعدت عن رياح التحديث وظلت متخلفة عن مثيلاتها من الأغنيات اليمنية المختلفة كالصنعانية والحضرمية واللحجية . الخ بسبب الحروب القبلية الدائرة بين بعضها البعض حتى منتصف القرن العشرين . وكذلك بسبب الاعتقاد الخاطئ بأن من يشتغل بالفن خارج عن جدية الحياة.

استقبال العريس


الزفة فوق الجبل

عروس يافع مخبأة



    اضافة إلى انهم اعتقدوا بأن كل من يغني ويحترف الغناء ممسوخ الرجولة وهم الذين عرفوا بالشجاعة والاحترام . وكان الفنان اليافعي الأصيل يحيى عمر أو ((أبو معجب )) كما يُلقب , أول من تمرد على واقعه ففر من يافع وهو لم يزل شاباً يافعاً وذلك عام 1118هـ وطاف معظم بلدان العالم متنقلاً ومطوراً للون الغنائي اليافعي , وقد أفاد كثيراً برحلته وترحاله بين الأقطار الأغنية اليافعية بأن ساعد على نشرها هنا وهناك بعيداً عن مسقط رأسه . وقد أثر شعره على مستوى سير الأغنية اليمنية والخليجية حاملة خصائص ومواصفات الوان الأغنية اليافعية وايقاعها المميز الذي عرضت به منذ نهاية القرن الحادي عشر للهجرة حتى وقتنا الحاضر وقد غنى له الكثير من الفنانين الخليجيين والسعوديين أمثال الفنان السعودي محمد عبده . وتخليداً لهذا الفنان الشاعر والملحن المبدع , والذي ذاع صيته في اليمن والجزيرة والخليج والهند ( حيث عاش ردحاً من الزمن وتزوج فيها ) , أنشئ في منطقة يافع ( لبعوس ) في 20 أغسطس 1991م ( منتدى يحيى عمر الثقافي للشعر والفنون ) .


البن في يافع

    للبن في يافع طقوس خاصة , وهو شجرة معمرة , يتراوح ارتفاعها من 4 ـ 10 أمتار , أوراقها متقابلة , متموجة الحافة , الأزهار بيضاء نجمية الشكل , والثمار لبنية خضراء اللون في بداية التكوير ثم تتحول إلى البني (( القات )) الذي ازداد الطلب عليه وممارسة تجارته في السنوات الخمس الأخيرة في اليمن , حيث يدر على أصحابه ارباحاً طائلة بعكس البن الذي تتطلب زراعته وحصاده فترة زمنية أطول , ويتناول ابناء يافع القهوة بكثرة ومن العيب ان لا تقدم للضيف , ولا يكتفي الناس هناك بشرب القهوة في الصباح فقط , بل طوال اليوم , ويستفاد من البن أيضاً اضافة إلى تناوله كمشروب منبه مع التمر ـ في ايقاف النزف من الجرح إذ يوضع قليل من البن على الجرح النازف فيساعد ذلك على توقفه .

    ويفضل ابناء يافع شرب القهوة المعمولة من البن وقشره للتقليل من آثاره السلبية .


 مجلة الشرق الاوسط
ملحق جريدة الشرق الاوسط 
العدد477   16-12  أغسطس 1995م


تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 2 ديسمبر 2010 الساعة: 01:02 ص