في شرق اليمن(يافع)2
قبيلتا الفردى و ريْو
تقع قبيلتا الفردي وريو شمال بني بكر وخلاقة وهم
الحد الفاصل بين اليمن ويافع اذ يفصلهم عن اليمن وادي حمرة الذي يتصل بوادي حطيب
في وادي بنا . وقد حاولنا زيارتهم ولكن لسؤ الحظ لم تسمح لنا الظروف .
ويبلغ عدد قبيلة الفردي نحو 2000 مسلح وهم من يافع الضبي اما
عدد قبيلة ريو فلا يقل عن 900 مسلح وهم من يافع الموسطة.
الاحد 12 شوال
في الساعة الثامنة صباحاً غادرنا بني بكر
فودعونا بقلوب ملؤها الاحترام والتبجيل . وهبطنا بحميرنا في نقيل ( عقبة ) بني بكر
ذات الانحدار الشديد ولاتزال في العقبة بقايا احجار مرصوصة رصاً محكماً لطريق قديم
قيل ان الذي انشأه الشيخ صلاح بن احمد مسمار الذي كان يحكم يافع بالنيابة عن امام
اليمن القاسم بن محمد بن علي في أواخر القرن الحادي عشر الهجري.
ومن يقف على هذا المنحدر يقع نظره على بقاع لا
نهاية لها ملأى بالصخور الرمادية الداكنة ؛ وفي المناطق المنخفضة عالم من الفتنة
والجمال فتسطع الشمس باشعتها اللامعة على الوادي الساكن الهادئ وتنتشر فيه اشجار
النبق والبن والبوص , يخترقه خط ابيض هو قاع السيل . هذا هو وادي حطيب . في بطن
وادي حطيب وتحت شجرة نبق جلسنا وشربنا قهوة قدمها لنا آل العيسائي من سكان الوادي
.
وبعد ساعة استأنفنا السير وبدأنا نصعد نقيل ذبوب
وقد بدأت الشمس تتبوأ مقعدها في كبد السماء فتتساقط اشعتها عمودية علينا ولذلك
شعرنا بحرارة الجو ولا غرو فنحن هنا في وادي عميق تحيط به جبال صخرية شاهقة . ومما
يلفت النظر هنا وضوح طبقات الجبال فهي مركبة من صخور نارية تعلوها طبقة من
الحجر الجيري من العصر الجوراسي وتلي هذه طبقة من الصخر من العصر الطباشيري ثم
قشور اردوازية وجيرية وتتكون الطبقات الحديثة من الطمي والرمل , وفي بطون الوديان
من الرواسب الغرينية .
بعد ثلاثة ساعات وصلنا قمة العقبة سيراً على
الاقدام . وعلى الرغم من ان بعض الطريق مرصوص بالحجر وعلى الرغم من اننا كنا نتوقف
قليلاً للاستراحة الا اننا لاقيينا تعبا ومشقة وذقنا آلام العطش والحر .
في سفح الجبل وجدنا خزانا منحوتاً في الصخر
مليئاً بماء المطر وقد جلسنا حوله نستعيد نشاطنا واخذ رفقاؤنا يدخنون الشيشة وتسمى
في يافع ( المداعة ) .
وعلى مقربة من الخزان وقف راع وراعية وخلفهما
قطيع من الاغنام وقد ذكرني شكلهما والحمرة التي تعلو وجهيهما برعاة الاغنام في
أرياف نابولي بايطاليا حين زرتها في فبراير عام 1950م .
الحضارم
بعد نصف ساعة غادرنا الخزان واجتزنا طريقا
ممهداً حتى وصلنا الى الشبر قبيل غروب الشمس ونزلنا في دار الشيخ محمد بن
محسن الحضر من شيخ الحضارم , وديار الحضارم متناثرة وتتكون المباني من دورين الى
خمسة ادوار وهي كغيرها من مباني يافع مبنية من الحجرالمنحوت من التلال الصخرية
المحيطة بهم , ولقد احتفى بنا الشيخ محمد بن محسن وامتلأت داره بالوافدين من
الحضارم للترحيب بنا .
ذيصراء
وفي الساعة السابعة صباح الاثنين 13 شوال غادرنا
الشبر وقطعنا طريقاً ممهداً ومررنا بمساحات واسعة من الاراضي الزراعية التي تروى
بماء الآبار الارتوازية وقد شاهدنا نساء ينزحن الماء من لآبار لري الذرة والبرسيم
وهي عملية شاقة للجنس اللطيف ولكن المرأة اليافعية تعتبر نفسها شريكة الرجل في
اعماله وكفاحه من اجل الحياة .
وبعد ساعتين وصلنا ذيصراء عاصمة الضُبي
فاستقبلنا جماعة من آل عاطف جابر وعلى رأسهم الشيخ صالح بن سالم بن عاطف جابر سيد
الضبي واطلقت العيارات النارية ترحيباً بقدومنا . نزلنا في دار الشيخ صالح بن سالم
بن عاطف جابر وهو من ابرزالشخصيات في يافع, ذكي نافذ الذكاء ولكنه هادئه في الوقت
نفسه, حليم شديد الحلم لا يعرف الطيش ولا التعجل ولا الاندفاع , وكثيراً ما تعتبر
اراؤه حلاً للمشاكل المعقدة والقضايا الغامضة , وكنا اردنا الرحيل صباح الثلاثاء ,
ولكن مضيفنا منعنا عن ذلك واصر في المنع واقسم ان نبقى يوماً آخر ولم نجد بداً من
التسليم لارادته على الرغم من ضيق الوقت .
مسجد النور
غادرنا ذيصراء صباح الاربعاء 15 شوال وأبى الشيخ
صالح بن سالم ابن عاطف جابر الا ان يرافقنا الى مسجد النور حيث يقيم آل الحريبي .
والطريق ممهد يخترق سهلاً صخرياً قطعناه في نصف ساعة سيراً على الاقدام .
ولقد استقبلنا آل الحريبي بكل حفاوة واطلقوا الاعيرة
النارية ترحيباً لقدومنا.
نزلنا في دار الشيخ غالب بن عبدالله شيخ
الحريبي ثم انتقلنا الى منزل الشيخ حسين الحريبي .
ومسجد
النور بلدة تتكون من مجموعة من المنازل العالية يحيط بها اراض زراعية خصبة وعلى مقربة
منها تقع مدينة إرب الأثرية التي يرجع عهدها الى ماقبل الاسلام , وقد اثرت فيها
عوامل التعرية فمحت معالمها ولاتزال هناك مجموعات من الاحجار متناثرة وهي بقايا
بيوت كانت آهلة بالسكان , وبالقرب من دار الشيخ علي بن حسين الحريبي توجد مقابر
اثرية منحوتة في الصخر , ومما تجدر الاشارة اليه ان اتجاهها الى غير القبلة يدل
على انها مقابر قديمة ترجع الى عصر ما قبل الاسلام.
بلدة مسجد النور |
حائط |
وبلدة
مسجد النور تتوسط بلاد يافع العليا , ولذلك اتخذها الامام القاسم بن محمد مقراً
لحكمه . ولا تزال الدار التي اتخذها مقراً للادارة قائمة حتى الآن.
وفي صباح الخميس 16 شوال , وقبل ان نرحل الى القدمة
جاءنا رسول من السادة آل هرهرة سكان المحجبة يطلبون زيارتنا لهم , ولقد وعدتهم
بالزيارة عند العودة من القدمة اذ اني قبل ذلك ارسلت خطاباً لشيخ الموسطة بالزيارة
عنده في يوم الخميس ولذلك لم استطع تغيير او تعديل الرحلة . ولكن آل هرهرة أولوا
هذا الوضع تأويلاً آخر , اذ ظنوا ان زيارتي للقدمة قبل المحجبة اهانة لهم لأن
المحجبة اقرب لمسجد النور من القدمة ولذلك ارسلوا رسولاً آخر الى القدمة يعتذرون
عن قبول زيارتنا لهم لغياب عظمة السلطان.
سوق الصيرة
غادرنا مسجد النور الساعة الثامنة صباحاً سيراً
على الاقدام اذ ان الطريق ممهدة لا عقاب فيها ولا تلال , وفي الساعة التاسعة وصلنا
الصيرة وكانت مزدحمة بالناس,
اذ وافق قدومنا يوم السوق التي تقام يوم
الخميس من كل اسبوع فتجتمع فيه فخائذ كثيرة من الموسطة وغيرهم من قبائل يافع وتعرض
فيه انواع مختلفة من السلع وهي اشبه بمؤتمر اسبوعي.
لذلك
ينتهز شيخ الموسطة الشيخ احمد بن ابي بكر النقيب هذه الفرصة فيجمعهم في ميدان
السوق ويتحدث اليهم فيما يصلح شأنهم ويرفع مستواهم , ولقد استقبلنا في الصيرة اكثر
من ألف مسلح من فخائذ الموسطة وغيرهم وأطلقت آلاف الاعيرة النارية ترحيباً بقدومنا
, وتنافس الشعراء في القاء القصائد اثناء سير الموكب ( الزامل ).
وفي ميدان الصيرة حيث تحتشد الجموع الغفيرة وقف
سيد الموسطة الشيخ احمد ابي بكر النقيب وقدمني لهم في كلمة مختصرة جمعت فأوعت .
ووقفت بعده وشكرت القوم على ما أظهروه نحوي من الاحترام والتقدير وما قاموا به من
الحفاوة والتكريم , وانتهزت هذه الفرصة فاوضحت لهم ماتعانيه بلاد يافع من جهالة
عمياء وتأخر شنيع في جميع مرافق الحياة ودعوتهم الى جمع الكلمة ولم الشعث وتوحيد
الصفوف ونشر التعليم.
جانب من قبائل التي احتشدت لسماع خطبة المؤلف في
سوق الصيرة
|
ذهبنا بعد ذلك الى منزل قاضي الصيرة الشيخ
عبدالباقي بن سالم الحوثري وكان غائباً ولكن اخاه الشيخ سعيد سالم استقبلنا
بالنيابة عنه , وبعد ان شربنا القهوة اليافعية ذهبنا الى القدمة وأبى سكانها الا
ان يستقبلونا باطلاق الاعيرة النارية مع انهم كانوا في مقدمة الذين استقبلونا في
سوق الصيرة . والمسافة بين الصيرة والقدمة نحو ربع ساعة . والقدمة عاصمة الموسطة
وتقع على تل صخري منيف وتحيط بها مزارع الذرة وقليل من نبات القات ترويها الامطار
التي تسقط صيفاً ؛ وقد يستعينون في ري الاراضي بمياه الآبار الارتوازية , وهي
كثيرة في بلاد يافع على الرغم من ان مياهها ليست غزيرة .
نزلنا في دار الشيخ احمد بن ابي بكر التقيب
وسرعان ما اكتظت قاعة الجلوس على سعتها بالزائرين وعلى وجوههم دلائل الفرح والسرور
.. ولقد شاهدت في هذا الجمع وفي غيره من المجتمعات اليافعية التي شاهدتها اهتمام
القوم بشؤون البلدان العربية ومستقبل دولها وبخاصة مصر كما لاحظت اهتماما كبيراً
بـ (( صوت العرب )) الذي تذيعه الاذاعة المصرية فهم يجتمعون حول اجهزة الراديو
مساء كل يوم ليسمعوا الانباء والحوادث والارشادات التي يرسلها (( صوت العرب ))
للعالم العربي .
اندفع الشيخ احمد بن ابي بكر النقيب شيخ
مشايخ الموسطة يتحدث حديثاً شيقاً عن رحلته في اقاصي بلاد يافع وهو من الشخصيات
البارزة التي يلجأ الناس اليها حين تتعقد المشاكل وتتفاقم الخطوب وهو متحدث لبق
واسع التفكير بعيد النظر وهو اذ يتكلم يحاول ان يشق طريقه الى احاسيس السامعين
وصوته يعلو احياناً فيجذب الاسماع لمشيئته وينخفض احياناً فيميل بالرؤوس نحوه .
ومما تجدر الاشارة اليه انه من اكبر الشخصيات الذين بذلوا جهوداً جبارة لانشاء
مدرسة قعطبة التي انشأها امام اليمن لابناء يافع على الحدود .
تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 15 أكتوبر 2010 الساعة: 05:12 ص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق