كتاب في شرق اليمن(يافع)3
العودة الى عدن
كنا أردنا السفر إلى خلة بلاد آل المفلحي السفلى
ولكن وجود العقبات الكأداء ووعورة المسالك كل ذلك جعلنا نعدل عن الذهاب إلى خلة من
الجربة.
وأصر الشيخ عبدالرحمن عبد الهادي المفلحي على ان
يدعونا إلى داره للغداء والعشاء والمبيت ولكن استطعنا بعد محاولات ووساطات ان
نعتذر لهذا الشيخ الكريم كما اعتذرنا عن إجابة دعوات أخرى لشخصيات بارزة في بلاد
المفلحي . والشيخ عبدالرحمن عبد الهادي من اشد اليافعيين حماسة وغيرة على يافع ومن
أنشطهم عملاً للنهوض بها وقد رافقنا هو والسيد صالح عبدالحميد المفلحي الى حدود
الجهوري حين غادرنا الجربة.
وانضم إلينا في الرحلة الأستاذ حمزة عمر المفلحي
وهو مدرس بمدارس المملكة العربية السعودية بجده , جاء إلى يافع لزيارة أهله في خلة
قد أتى إلى الجربة ليشاركنا في رحلة يافع.
وهو خبير بشؤون البلاد اليافعية فقد قضى بها
ردحاً من الزمن واشتغل بالتدريس في الجربة كما رافق الدباغ في حركته السياسية التي
قام بها في جنوب الجزيرة وذاق الأمرين وكان وفياً لأستاذه فعندما وافاه الأجل بذل
الأستاذ حمزة مجهوداً كبيراً في المحافظة على زوجة الدباغ وأولاده وأعادهم إلى
الحجاز مكرمين . الأستاذ حمزة طلق المحيا مشبوب الترحيب يلقاك كأنه أخ لك من قديم
وعلى الرغم من نحافة جسمه فانه نشط سريع الحركة يقفز على الصخور ويجتاز العقاب
كالريم.
لقد اخترقنا طريقاً آخر الى القدمة وكانت ممهدة
صالحة لسير السيارات اذا عبدت . وبعد حوالي ساعة ونصف ساعة وصلنا القدمة ونزلنا في
دار سيد الموسطة الشيخ احمد بن ابي بكر النقيب وفي صباح الأربعاء 22شوال غادرنا
القدمة إلى ذيصراء وقد رافقنا الشيخ حسين بن سالم بن عاطف جابر فاستقبلنا بما
عهدنا فيه من الكرم والنبل والشهامة.
هجر لبعوس
وفي صباح الخميس 23 شوال ذهبنا الى هجر لبعوس
واخترقنا طريقاً ممهدة قطعناها في نحو ساعة وكان يرافقنا الشيخ صالح بن سالم بن
عاطف جابر والشيخ حسين صالح النقيب وعلي عبدالرب بن عاطف جابر وهو اصغر جندي في
العالم فهو يحمل السلاح ويجيد ضرب النار ولم يتجاوز الثانية عشرة من عمره.
استقبلنا جماعة من لبعوس بحفاوة بالغة وأطلقوا
عشرات العيارات النارية ترحيباً بقدومنا . نزلنا في دار الشيخ محمد بن محسن
الضباعي شيخ لبعوس وقضينا سهرة ممتعة كنا نستمع في خلالها إلى المذياع وبخاصة ((
صوت العرب)) الذي يفضله القوم في يافع على غيره من الإذاعات .
مسجد النور
اصر الشيخ علي بن محسن الحريبي حين كنا في
ذيصراء على ان نزوره بمنزله ولم نجد بداً من اجابة طلبه وتحقيق أمله فقد ذهبنا
صباح الجمعة الى مسجد النور ونزلنا في داره وأدينا صلاة الجمعة في مسجد النور
الأثريي وقد جادت السماء بمطر غزير سالت له الاودية وبعد صلاة العصر خرجت اجوب
مزارع الذرة بصحبة الشيخ علي بن محسن الحريبي وكان السيل يغمر المزارع والشمس وراء
السحب فكان منظراً جميلاً رائعاً ذكرني بجبال قاروت في جاوه الغربية.
وفي المساء عاد الشيخ حسين بن صالح النقيب الى
القدمة وعدنا نحن الى ذيصراء ليلاً وقضينا البقية الباقية من الليل بمنزل الشيخ
صالح بن سالم عاطف جابر.
الى الزاهر مرة اخرى
نهضنا من النوم وقد تنفس الفجر ودفقت جيوش
النهار زاحفة وراء طبقات الظلام الهادئة الحلكة واصطبغ الافق بدماء الشمس
الارجوانية . يالروعة هذا المنظر الطبيعي في هذه البقعة العالية الشامخة من
الدنيا.
وأبت شهامة الشيخ صالح بن سالم بن عاطف جابر الا
ان يرافقنا لا الى آخر حدود منطقته ولا الى آخر حدود بلاد يافع ولكن الى داخل حدود
اليمن ..الى البيضاء.
وتابعنا السير نذرع الطريق وقد صمتنا جميعاً من
غير داع للصمت ولكن لم يطل هذا الصمت فقد اخذ الاستاذ حمزة والشيخ صالح يتحدثان في
شؤون شتى وقد تركنا حميرنا تمشي خلفنا حاملة فرشنا وحقائبنا واخترقنا هضبة صخرية
تشقها بعض المنخفضات الشبيهة بالاحواض تغطيها نبات الذرة.
ومن هذه الهضبة يمكن ان ترى بوضوح قمم جبال ثمر
وحبه والعر وعند نهاية حدود لبعوس بدأنا نهبط في منحدر عظيم يقال له عقبة توزلي
وهو يؤدي الى واد ضيق عميق غني بنبات الذرة واشجار النبق والبن . ولم نتمكن من
رؤية هذا المنحدر الهائل الا عند اقترابنا منه لأن هذه الهضبة الشامخة كانت تحجزه
عنا. وتنحدر هذه الاسوار الجبلية انحدراً يبلغ ثلاثة الاف قدم . واخترقنا الوادي
سيراً على اقدامنا واندفعنا صاعدين , وكلما تقدمنا أوغل الوادي في الضيق وعلى
حافتيه تعلو القمم الشامخة وقد تساقطت منها احجار الى الوادي بفعل عوامل التعرية.
وبدأنا نصعد عقبة شرعة وهي أقل وعورة من نقيل
بني بكر وذبوب وتوزلي , بيد اني شعرت بتعب عظيم في صعودي فيها ولعل ذلك يرجع الى
اني لم اذق للنوم طعماً في الليلة الماضية . وكان اسرعنا في السير الشيخ صالح
والشيخ قحطان فقد سبقا جميع الرفاق الى قمة العقبة , وكنت انا والاستاذ حمزة
متمهلين مترفقين نقف قليلاً لنسعى كثيراً ونحن نمد ابصارنا الى هذه الناحية او تلك
لنرى هذا المشهد او ذاك من مشاهد جمال الطبيعة , نمد ابصارنا في هذه الناحية لنرى
الاسوار الصخرية الشاهقة وقد علا بعضها نبات مختلف الوانه , تتدلى الاغصان الى
اسفل لتلامس مجرى السيل , ونمد ابصارنا الى تلك الناحية لنرى زهوراً جميلة تحمل ابتسامة
الشمس ورقة النسيم وهدوء الليل وربما انحنى احدنا فجأة الى الارض لا يحاول ركوعاً
ولا سجوداً وانما دعته هذه الزهرات النضرات من زهور العشب الذي ينبت في اعقاب
الغيث.
خزان من جبل العر وحوله الرفقاء ويرى في وسطهم الشيخ صالح سالم بن عاطف جابر شيخ مشايخ الضبي |
وفجأة قال لي رفيقي : .. لقد بلغنا نهاية العقبة
. فتنفست صعداء وقلت : هنا يجب ان نستريح برهة.
وهنا تمتد الطريق على سطح الجبال فانطلقنا فيها
من غير كلل ومررنا على خزان كبير ملئ بماء المطر وحوله بعض الرعاة يسقون اغنامهم .
وبدأنا نخترق طريقاً ممهداً مصعداً في جبل العر , ولكنه صعود متدرج لا مشقة فيه
ولا تعب , وعلى سطح الجبل امتدت انظارنا الى آفاق شاسعة . وفي مكان عال وعلى حافة
واد عميق يقوم حصن العر الذي بناه جنود الامام منذ ثلاثة قرون حين كانت بلاد يافع
عهد ئذ تابعة لليمن وفي هذا الحصن حدثت معركة عنيفة بالسلاح الابيض بين جنود
الامام وبين جماعة من يافع كانت المعركة الفاصلة وكان النصر فيها ليافع , فعندما
اشتد دفاع حماة الحصن نحتت جماعة من يافع ثقباً كبيراً في الجبل حتى وصلوا الى
الحصن من اسفله وقتلوا جنود الامام عن بكرة ابيهم.
حصن العر |
الثقب الذي نحتته جماعة من يافع في الجبل إلى حصن العر |
وعلى مقربة من جبل حلين توجد منطقة مسطحة وهي
اصلح مكان لانشاء مطار بيافع العليا . وظهر جبل حلين وعلى سطحه يقوم قصر السلطان.
بدأنا نهبط الى وادي الزاهر حيث تنتهي حدود يافع
. ومن هناك تصبح الطريق مهاداً مخترقة اراضي زراعية خصبة بها بعض آبار ارتوازية.
الزاهر
وهكذا اراد الله ان نعود الى الزاهر مرة ثانية .
لقد وصلنا الى هذه البلدة المتواضعة قبيل الغروب ونزلنا في دار الشيخ الكريم سالم
عبدالقوي الحميقاني فقابلنا بحفاوة لا تقل عن الحفاوة التي قوبلنا بها في المرة
الاولى وقضينا سهرة ممتعة ثم نمنا نوماً عميقاً ؛ ولا غرو فقد اضنانا التعب بعد
المشقة وطول المسافة فنحن بدأنا رحلتنا من ذيصراء عند مطلع الفجر ووصلنا الزاهر
قبيل الغروب.
الى مكيراس
وفي صباح الاحد 26 شوال غادرنا الزاهر في طريق
ممهدة تجتازه السيارات بسهولة , وعند حدود البيضاء ودعنا الشيخ صالح بن سالم بن
عاطف جابر وشكرناه على حفاوته البالغة وقد اتخذنا طريقاً يتجه الى الجنوب الشرقي
وقد استوت الشمس في كبد السماء , ولكن الحر لم يكن لافحاً ومررنا بضياع جميلة
مليئة باشجار الفواكه على اختلاف انواعها اهمها العنب والخوخ . وفي قرية قابل
جلسنا تحت شجرة تين ضخمة وقد تدلت من فروعها عناقيد العنب واضطجع كل منا في ظلها
الممدود وحولنا اشجار مثمرة يانعة ونباتات غضة زاهرة والسحب القلقة الرخوة تتخذ
افتن الاشكال واعجبها وشربنا قهوة هي اقل جودة من القهوة اليافعية ولعل هذا يرجع
لا الى عمل القهوة نفسها ولكن الى نوع البن ويظهر ان جو وديان يافع أصلح وانسب
لزراعة البن.
وقابل قرية حقيرة لا شيء يلفت النظر فيها سوى
هذه الحديقة . بعد ساعتين غادرنا قابل واندفعت حميرنا تجري لسهولة الطريق ,
وفي الساعة الخامسة مساء وصلنا مكيراس وهي قرية متواضعة منازلها ذات دور واحد
مبنية من الطوب النيء.
ولا شيء فيها يلفت النظر سوى جوها المعتدل
ونسيمها العليل ومائها العذب , وهناك بستان به انواع مختلفة من اشجار الفواكه
كالتين والخوخ والعنب والسفرجل والبرقوق يروي بماء ارتوازية والزراعة فيه تسير على
احدث الطرق.
وترسل مكيراس بعض الفواكه والخضر الى عدن بطريق
الجو . ويتوسط البستان قصر جميل . وعلى مقربة منه مدرسة مبنية من الحجر . ومنطقة
مكيراس داخلة تحت الحكم الانجليزي , ولا تزال جماعة من العواذل يبذلون محاولتهم
لاستردادها لذلك فالأمن مضطرب ليلاً , وعندما يأتي النهار يتبدد الخوف وينتشر
الناس في اطراف مكيراس حتى حدود البيضاء دون ان يعترض سبيلهم أحد.
ليلة الديك
..واخيراً
استقر رأينا على شراء تيس صغير او دجاجة للعشاء , فقد هجم الجوع علينا هجوماً
عنيفاً , ولعل جو مكيراس الجميل ساعد الى حد كبير على هضم ما في بطوننا من طعام .
ولسوء الحظ لم نعثر على تيس صغير ولا كبير ! ولكن أحد السكان احضر لنا ديكاً ضخماً
قد تدلى عرفه الاحمر القاني على احدى عينيه فحجبها عن الانظار وانكمش منقاره
الطويل المقوس وتساقط كثير من ريش ذيله وجناحيه كأنه خرج من معركة حامية بينه وبين
ديوك مكيراس . ولما ذبحه احد الجيران بخنجره الكبير وسلخ جلده الغليظ ظهرت اضلاعه
الطويلة العريضة بارزة , فقلت لصاحبي وقد وقف ينظر الى الديك بفم فاغر.. يظهر ان
هذا الديك من مواليد القرن الماضي ولعله شاهد اول بيت بني في مكيراس.
واخيراً .. أحضرت لنا صاحبة البيت العشاء واستعد
كل منا للأكل ما عدا السيد حمزة فقد فضل النوم على الطعام لشعوره بتعب . وبدأت
المعركة بيننا وبين لحم الديك , وطالت المعركة وانتهت بهزيمتنا فقد كان لحمه اشبه
بلحم جمل او جلد جاموس.
وهكذا استطاع الديك ان يهزمنا جميعاً في مماته
كما كان يهزم ديوك مكيراس في حياته.
وفي الساعة الثامنة من صباح الاثنين 27 شوال
غادرنا مطار مكيراس ؛ ومضت الطائرة تشق اجواز السماء في هدوء يلهب في الذهن الخيال
وبعد نصف ساعة وصلنا مطار عدن فاستقبلنا الحر والغبار والسموم , انه حر لافح يشوي
الوجوه ويزهق النفوس . نزلنا في دار السادة آل العيسائي فقوبلنا بحفاوة بالغة وشوق
ملتهب واخذ القوم وعلى رأسهم السادة علي ناجي وحسين عبدالله وعمر قاسم يسألوننا عن
جو بلاد يافع وامطارها ومزارعها وأحوالها السياسية والاجتماعية.
وعلى الرغم من ان بعضهم حديثو عهد بيافع الا
انهم مشتاقون لاخبار بلادهم كل الاشتياق ولا غرو فإن للوطن حنيناً لايخبو ويخمد
الا بفناء الانسان حتى ولو كان حظ وطنه من الحضارة والرقي قليلاً . واني لأذكر اني
حين كنت في هلفرسم احدى مدن هولندا الجميلة , وحين كنت في باريس كنت اشعر بحنين
يزداد يوماً بعد يوم الى مصر هذا الوطن الجديد الذي تعلمت في معاهده ونشأت تحت
سمائه حتى تجاوزت الاربعين .
إلى ( خلة )
الطريق وعرة بين عدن وخلة وبخاصة في منطقة
الضالع ومسيمير ولابد لنا من سيارة قوية لا تتأثر بالصخور البارزة ولا المسالك
الملتوية ولا الوهاد العميقة ولا العقاب الكأداء .
قال حمزة هذا وانصرف
كالبرق الخاطف .
وبعد ساعتين اقبل وعلى وجهه دلائل النصر والفرح
.
-
ما وراءك ياعصام ؟
-
لقد وجدت سيارة جديدة قوية تخترق الوهاد والتلال والجبال .
-
لقد احسنت .
-
ومتى يبدأ الرحيل ؟
-
الساعة الرابعة من مساء اليوم .
مدرسة خلة
|
ومما تجب الاشارة اليه ان المدرسة تهتم بالنشاط
المدرسي فهناك مساحة من الارض امام المدرسة معدة للقيام بالالعاب الرياضية . ولقد
شاهدت بنفسي التلاميذ وهم يؤدون بعض الالعاب الرياضية تحت اشراف مدربهم . فسرني
ذلك سروراً كثيراً.
تلامذة مدرسة خلة اثناء القيام بالعابهم
الرياضية
|
ومما تجدر بالاشارة اليه ايضاً ان هناك على
مقربة من المدرسة مستشفى ولكنه خال من المرضى.
ولقد اختاروا لي مكاناً للنوم يحتل جزءاً من سطح
المدرسة وقد احسنوا الاختيار فالمدرسة تقع على ربوة عالية تطل على خلة وامامها
محيط واسع من الفضاء يمتد حتى حدود قعطبة.
وفي الليل فتحت الشباك والباب المقبل للشباك
فاوجدت في الغرفة تياراً قوياً وجرى الهواء مع التيار وامتلأت الغرفة بنسيم رقيق
ناعم وشعرت في هذا الصيف بنعمة الجو واخذت امارس الشهيق والزفير بعجلة ولهفة وفرح
. وكنت اشهق حياة وازفر حياة ولم ادر من فرط شوقي هل اتمتع بالنوم واحرم من
الاحساس بالجو الجميل او اتمتع بالجو واحرم نفسي من النوم ؟.
ولم يكن لي ارادة في الاختيار فقد غلبني النوم
على امري وصحوت في الساعة الخامسة صباحاً . ونمت سبع ساعات نوماً عميقاً لا ارق
يصدع رأسي ولا عرق يلذع جسدي كما كان الحال في عدن او
الحجاز . صحيح اني تلمست كتفي التي تعرضت للهواء وانا نائم فوجدت التيار قد جرفها
.. ولكن لا بأس .. فانه خير لي ان اعيش منتعشاً بكتف واحدة
من اموت مكتوم الانفاس ولي كتفان.
ارتديت ملابسي وجلست في شرفة الغرفة اتأمل اشعة
الشمس وهي تلمس المروج الخضر والجبال الشماء.
شكع
تبعد شكع عن خلة حوالي ساعة من الزمن سيراً على
الاقدام وللوصول اليها لابد من اجتياز عقبتين على جانب من الصعوبة.
ومنازل شكع لا تتجاوز عدد اصابع اليدين وتقع على
تل صخري عال تحيط بها اخاديد مزروعة ذرة وتلال صخرية شاهقة بها مقابر حميرية اثرية
. ومشاهدة الآثار احب الهوايات الى نفسي ولقد ذهبت الى حضرموت في العام الماضي
لمشاهدة الآثار في ريبون وغير ريبون وتكبدت لذلك مبلغاً من المال كنت في أشد
الحاجة اليه وتحملت متاعب الشمس المحرقة في وادي حضرموت كل ذلك لاشباع هذه الرغبة
او هذه الهواية وهي هواية مشاهدة الآثار القديمة والبحث عن معالمها والتنقيب عن
مآثرها.
وإذ كان هذا في حضرموت والمسافة بعيدة والتكاليف
كثيرة والحرارة شديدة فكيف لا اذهب الى شكع وغير شكع من بلاد يافع والجو معتدل
والشقة قريبة والتكاليف قليلة . وليس هذا فقط فالناس هنا – كلهم من يافع – طوع
امري ورهن اشارتي لا خوفاً مني ولا طمعاً في فلست ذا سلطة ولست ذا مال , وانما هو
الاخلاص والحب والولاء والوفاء.
وانطلقنا الى شكع وفي مقدمتنا الشيخ قاسم بن
عبدالرحمن المفلحي سيد خلة وهناك شاهدنا قبوراً أثرية محفورة في سفح تل صخري وكان
اكتشاف هذه المقابر بطريق الصدفة . فقد كان أحد سكان شكع يحفر في قمة التل فعثر
على عمق نحو متر ونصف متر على سيف محطم وخاتم من ذهب وعثر شخص آخر في مكان آخر من
سفح التل على لوح من الرخام به كتابات حميرية كما عثرنا في مقبرة حميرية على اوان
من البرونز قد علاها الصدأ وأوعية من الخزف والزجاج.