كتاب في شرق اليمن(يافع)5
يافع بحضرموت
حين ضعفت سلطة آل الكثير وأنكمش نفوذهم في
حضرموت لتخاذل امرائهم وتنافرهم وتنافسهم على الحكم هب الامير بدر بن عبدالله ابن
جعفر الكثيري الملقب بأبي طويرق والمولود سنة 902 هـ وأخذ يبذل الجهود لإنقاذ ملك
آبائه وتوحيد صفوف قومه وجمع كلمتهم ولكنه على الرغم من إخلاصه في الدعوة لم يجد
آذاناً صاغية ولا قلوباً واعية بل لقي من بعض اقربائه معارضات ومعاكسات اضطر
بسببها إلى ان يغادر حضرموت الى اليمن ليأتي بقوم آخرين يسترد بهم الملك الضائع
والحكم المفقود.
وصل صنعاء في أوائل الحجة سنة 925هـ فأكرمه
الامام وأحتفى به ولما طلب من الامام ان يمده بجيش لاحياء ملكه بحضرموت أمره ان
يبقى في صنعاء حتى نهاية شهر ذي الحجة ليشاهد وفود القبائل التي تأتي من اطراف
اليمن لتهنئته بالعيد وليختار بعد ذلك القبيلة التي تعجبه
.
ولقد وقع أختياره على يافع فأخذ منهم نحو خمسة
آلاف مقاتل ورحل بهم إلى حضرموت ولما علمت نهد بقدومهم أحتشدت جموعهم في نجران
لصدهم ومنعهم من الزحف الى المناطق الوسطى بحضرموت .
وتقابل الفريقان وكانت معركة عنيفة استعملت فيها
البنادق والخناجر والرماح والسيوف وكان النصر خليف الأمير بدر وقومه يافع وأستأنف
بعد ذلك الرحيل حتى وصل شبام في رجب سنة 926 هـ وأحتلها وحصنها بعدد كبير من يافع
الموسطة ثم سار إلى تريم وأحتلها في محرم سنة 927هـ وطرد منها محمد بن أحمد بن
جودان وحصنها بقوم من يافع لبعوس وأتخذها مركزاً لسلطنته وحصن سيئون بقوم من يافع
الضبي وسار إلى هينن وأستولى عليها وأرسل عدداً كبيراً من يافع الى السلطان محمد
بن عبدالله أبن جعفر الكثيري حاكم الشجير لتحصين المدينة من اغارات قبائل البادية
وقطاع الطرق .
ومرت الاعوام تلو الاعوام وسلاطين آل كثير
بحضرموت يعتمدون على يافع في تقوية مركزهم وتوطيد دعائهم وفي عهد السلطان علي أبن
بدر الكثيري بدأ نفوذ يافع يقوى وسلطتهم تنمو وكلمتهم تعلو ولما مات السلطان علي
سنة 1107 قام بالامر بعده السلطان عيسى بن بدر الكثيري وكان سليم النية ضعيف
الارادة ترك شؤون دولته لحاشيته وبطانته ولحكام المقاطعات فأصبح ليافع النفوذ
المطلق والكلمة العلياء.
انتشار الزيدية في حضرموت
تألم الأمير عمر بن جعفر الكثيري لحالة قومه
وانحلال ملكهم وكان كبير النفس قوي الارادة عالي الهمة أزمع وأجمع على استرداد
بلاده مهما كلفه ذلك ومهما اعترضته من الصعاب والعراقيل , أخذ يراسل امام
اليمن مستنجداً به لاجئاً إليه طالباً قوة من خيرة الرجال ليقضي على نفوذ يافع
ويعيد للسلطنة الكثيرية هيبتها وسلطتها.
ولما أبدى الامام
استعداده لتحقيق أمنيته سار إليه فأحتفى به الامام وأصدر أمره إلى الحريبي عامل
تهامة بإطلاق سراح المسجونين من قبائل حاشد وبكيل وتجهيزهم بالسلاح والذخيرة المؤن
وإرسالهم إلى الشحر لإستردادها من أيدي يافع ولعل الامير عمر أبن جعفر تعهد للامام
بالخضوع لسلطانه بعد القضاء على يافع وليس من شك ان الامام يرمي بهذه المساعدة نشر
مبادئ الزيدية بحضرموت وهي خطوة لبسط نفوذه على الحضارم وعاد ا لامير عمر بن جعفر
الكثيري بقومه الزيود وفاجأ الشحر بالهجوم ليلاً فهب الناس من مرقدهم مذعورين ولم
يتوقع يافع هذا الهجوم من الأمير وقد كان بالأمس يجالسهم ويسامرهم ويبدي لهم من
الود والرضا شيئاً كثيراً ولكن السياسة تعمل كل شيء في سبيل الوصول إلى الغاية
أحتل الأمير عمر بن جعفر الشحر وسار بقومه إلى داخل حضرموت وأخذ يصارع يافع تارة
بالشدة وأخرى باللين حتى قوي مركزه وأتسع نفوذه ولقد انتحل الزيدية ودعا إليها
ولكنه باء بالفشل والخذلان فقد قاومه رجال الدين من العلويين وغيرهم وأستاؤوا منه
ونفروا نفوراً شديداً.
اما السلطان عيسى بن بدر الكثيري فقد هرب إلى
عينات حين بلغه قدوم الزيود تحت قيادة الأمير عمر بن جعفر و ألتجأ إلى الشيخ أبي
بكر ابن سالم ولكن الأمير عمر سار إلى عينات وألقى القبض عليه وأرسله إلى الامام
.
ذعر الحضارم وهم شافعيون من انتشار مبادئ
الزيدية بين كثير من الجهلة وقام رجال الدين يقاومون تيار الزيدية ولكنهم باؤوا
بالفشل فالسلطان عمر زيدي ومتحمس للزيدية والناس على دين ملوكهم ولعل تحمس السلطان
عمر بن جعفر للزيدية لغاية في نفسه فالظروف دفعته إلى ذلك لتقوية سلطته وتوطيد
سلطانه فهو على مبدأ النظرية المعروفة ( الغاية تبرر الواسطة ).
استنجاد آل الشيخ أبي بكر بيافع
ولقد رأى آل الشيخ أبي بكر بن سالم ان يستنجدوا
بيافع للقضاء على الزيدية بحضرموت فأرسل أحد كبارهم السيد علي بن أحمد بن سالم
كتباً الى شيوخ يافع يدعوهم فيها لغزو حضرموت للقضاء على الزيدية ولإنقاذ يافع من
اضطهادات السلطان عمر بن جعفر لهم وتنكيله بهم, وبما ان لآل الشيخ أبي بكر سلطة
روحية على يافع عهدئذ فقد لبوا دعوتهم وأستجابوا لندائهم.
أجتمع معظم قبائل يافع في المحجبة وأختاروا
جماعة منهم وعلى رأسهم السلطان عمر بن صالح بن هرهرة والسلطان قحطان بن معوظة
العفيفي.
وفي يوم الاثنين أول ذي
القعدة سنة 1117 سار هؤلاء إلى عنتر وباتوا ومنها ساروا إلى سوق الثلاثاء وباتوا
في ذيصراء ومنها إلى جوبة غالب وكانوا في كل بلدة يمرون بها يدعون يافع لإنقاذ
قومهم بحضرموت من بطش السلطان عمر بن جعفر ولقد أجتمع منهم ستمائة مقاتل وذهبوا
إلى البيضاء في طريقهم إلى حضرموت ومنها على نصاب وهناك أنزلهم السلطان صالح بن
منصر العولقي على الرحب والسعة ولقد نصحهم السلطان بالعدول عن السفر إلى حضرموت
والعودة إلى بلادهم لقلة عددهم وكثرة أنصار السلطان عمر بن جعفر فلم يرضخوا لنصحه.
وفي يوم 11ذي الحجة سنة
1117هـ دخلوا مخترقين وادي المشاجر وعندما وصلوا إلى الظليق أرسلوا الشيخ حسين بن
مطهر العمودي وأخيه محمد بن مطهر فجاءا ومعهم ثلاثمائة من أتباعه ومائة حمل المؤن
واتفق الفريقان على انهم بعد أن ينتهوا من القضاء على السلطان عمر بن جعفر الكثيري
ترد لآل العمودي جميع المزايا والامتيازات التي كانوا يتمتعون بها سابقاً في
دوعن وملحقاتها وعندها وصل إلى عقبة الجحى من آل العمودي من قبائل الحالكة وآل
باهبري وغيرهم نحو ألف مقاتل .
موقعة بحران
بلغت الأنباء إلى السلطان عمر بن جعفر الكثيري
وكان يومئذ بمدينة الشحر , علم السلطان عمر بوصول يافع وتكتلهم مع العمودي وقومه
فهرع إلى سيئون وحشد أربعة آلاف مقاتل من الزيود وقبائل الكثيري وسار بهم إلى
بحران لمنع زحف يافع ومن معهم من قبائل العمودي.
وقد ارسل السلطان عمر بن صالح بن هرهرة
كتاباً إلى السلطان عمر بن جعفر أخبره فيه انه ويافع لم يأتوا للقضاء على سلطته
وليس لهم أي غرض في بسط نفوذهم وتقوية مركزهم بحضرموت وإنما جاؤا ليقضوا على
الزيود وعلى مذهب الزيدية حتى إذا انتهوا من ذلك عادوا إلى بلادهم يافع , فرد عليه
السلطان عمر بن جعفر بكتاب قائلاً انه لا يسمح ليافع ولا لغيرهم بالتدخل في شؤون
حضرموت وقال مهدداً انه آتي إلى بحران بقوم من بكيل وحاشد وآل كثير وغيرهم للقضاء
على يافع ومن لحق بهم من قبائل العمودي وتحدى السلطان عمر بن جعفر وتهكم قائلاً :((….فإن كنت عمر بن صالح كما ذكرت ….وركبت حصانك الابيض وفعلت المظلة على رأسك
….ابتلعتها نسوان يافع وبرزت لنا ولكن بايبان الفعال بيننا ومنا ومنكم
…. )).
ورد عليه السلطان عمر
بن صالح قائلاً : ((….وأن شاء الله واصلين غداً الخميس والشمس في كبد السماء وأنا
عمر بن صالح بن هرهرة في مائة فارس وأما قولكم إني أظهر المظلة وأركب على حصاني
الابيض فالمظلة ان شاء الله ترونها على رأسي في قاع بحران رأي العين وأما الحصان
فلا لي منكم نديد وأنا بادن لكم في بندقي في قاع بحران )).
وبحران أرض مسطحة ليس بها تلال ولا وهاد ولا
صخور ولا شجر وتقع على مقربة من سدبة , وفي اطرافها الشمالية قسم السلطان عمر بن
صالح بن هررة يافع إلى ثلاث فرق :
الأولى من الموسطة ولبعوس وعليها بوبك بن صالح
.
الثانية من الناخبي واليزيدي وعليها صالح بن عبدالله وحسين بن صالح
ويحيى بن عمر.
الثالثة من الضبي ويهر والعناق والحدي وعليها بوبك بن حسين بن صالح
وعمر بن عبدالله وصالح بن بوبك.
وكان عدد المقاتلين في هذه الفرق الاربع لا يقل
عن ستمائة . اما العمودي فقد كون من قومه فرقة بلغ عدد افرادها نحو ألف ومائتي
مقاتل ولقد وضعت هذه الفرق كلها في أماكن غير متباعدة ليباغتوا الأعداء بوابل من
الرصاص ويضعوهم بين فكي الكماشة فلا يجدون منفذاً للفرار.
وفي فجر يوم 10 محرم سنة 1118 بدأت المعركة بين الفريقين وكانت
عنيفة جداً استعملت فيها الاسلحة النارية والخناجر والسيوف , وقبيل غروب الشمس
انسحبت فلول قوم السلطان عمر بن جعفر تاركة خلفها عدداً كبيراً من القتلى والجرحى
وكميات كثيرة من المؤن والذخائر.
زحف يافع وأنصارهم إلى شبام فأستقبلهم جموع كثيرة من
الشعب بحفاوة بالغة وابتهاج عظيم , وجاء الشيخ أبوبكر بن سالم من عينات
بالاعلام والطبول وشكر يافع على ما قاموا به من تضحيات عظيمة للقضاء على الزيود
وعلى اتباع الزيدية وطلب إليهم ألا يمسوا السلطان عمر أبن جعفر الكثيري بأي اذى
وان يتركوه حراً كريماً, ولقد قضت هذه المعركة الفاصلة على نشاط الزيدية حتى أختفت
آثارها في حضرموت.
ولما أستقرت الأمور وهدأ كل شيء عاد يافع
الذين جاؤا في هذه الحملة إلى ديارهم ما عدا خمسين منهم فقد فضلوا البقاء والاقامة
بحضرموت.
الصراع السياسي بين يافع و آل كثير
بعد معركة بحران وبعد ان قضي على الزيود وعلى
الزيدية بدأت سلطة يافع تنمو ويتسع نطاقها.
ولما قام السلطان جعفر بن عمر بن جعفر
الكثيري بالامر نافسه على الحكم الامير جعفر بن عيسى بن بدر الكثيري وأشتد الخلاف
بينهما وكان الامير جعفر غير حكيم في تصرفاته ضد يافع فقد استعمل القسوة والشدة
واعتدى على أموال يافع في شبام ولقد انتهز السلطان جعفر بن عمر هذه الفرصة فأغرى
بعض عشائر آل كثير في ذي أصبح سنة 1145 هـ للتحالف مع يافع ضد منافسه الامير جعفر
بن عيسى وسار إلى بلاد نهد وأتى بقوم من نهد والجعدة ليضرب بهم الامير جعفر.
تقابل الفريقان بمكان
يقال له الغطيل وكانت معركة عنيفة انتهت بإنهزام الأمير جعفر بن عيسى
وارتداده إلى شبام ولم يقم بها سوى ليلة واحدة ثم غادرها إلى العجلانية وظل
بها إلى ان وافته المنية . وبموته انكمشت الدولة الكثيرية وتألق نجم يافع في
حضرموت واتسع نفوذهم اتساعاً ما كانوا يحلمون به من قبل فقد آل امر المكلا إلى بني
ناخب وأصبح أمر غيل باوزير للبعوس وريدة المعارة لكلد وغيل بن يمين للشنافر وتريم
للبعوس وسيؤن للضبي وجفل للرباكي وتريس وحورة وشبام للموسطة ومريمة لبني بكر ولحروم
لعبدالله بن عوض القعيطي وسدبه للجهوري والهجرين لآل يزيد والقزة للبطاطي.
محاولة آل الكثير استرداد نفوذهم
جاء في كتاب ابن حميد ان جعفر بن علي بن جعفر
الكثيري اتى من الهند إلى حضرموت بمال كثير وذهب إلى هينن وحشد عدداً كبيراً من
القبائل وزودهم بالسلاح والمؤن واغراهم بالمال . زحف بهم إلى شبام وأحتل معظمها
وأخرج كثيراً من يافع منها . ثم سار إلى سيئون ودخلها سنة 1221 واحتل الجانب
الشرقي منها ولكن الحرب بينه وبين يافع استمرت سنة كاملة وأرسل جزءاً من قومه إلى
تريم سنة 1222 واستولى على بعض احيائها وعاد إلى شبام ومات بها وفي رواية انه قتل
واخفي نبأ مقتله في شبام ودفن بتريم وعندما علم اتباعه بوفاته انسحبوا من سيؤون
وتريم وبذلك عادت السلطة إلى يافع في سيؤون وتريم , كما اخذ نفوذهم يقوى في شبام.
ولما وصل الخبر إلى عمر
بن جعفر وكان بالهند بما حدث لأبيه سافر إلى حضرموت ونزل عند اخواله آل علي جابر
في خشامر وكان معه أربعون صندوقاً مليئة بالحديد ظنها الناس ذهباً وتوسط آل علي
جابر بينه وبين الموسطة في شبام. وعلى هذا الاساس تمت الاتفاقية وانتقل عمر بن
جعفر إلى شبام. ولم يكن عمر بن جعفر ذا شخصية قوية وحزم نافذ فقد قبع في قصره وترك
الامر لبعض حاشيته الذين لايهمهم شيء سوى جمع المال ولو من طريق غير مشروع لذلك تقلص
نفوذه في شبام . وكان في استطاعة يافع ان يجمعوا كل السلطة في ايديهم وينفردوا
بالحكم لولا اشتداد الخلاف والتنافس فيما بينهم على المناصب الكبرى . ورأى السلطان
عمر بن جعفر ان يقوي مركزه ويوطد سلطانه فاحضر عدداً كبيراً من فخائذ آل كثير
فازدادت التكاليف عليه واشتدت حاجته إلى المال لذلك لجأ إلى فرض الضرائب الثقيلة
واضطر بعض التجار إلى الاستدانة لدفع الضرائب المطلوبة كما اضطر البعض للاستعانة
بيافع لحراسة متاجرهم التي تعرضت للنهب والسلب .
ساءت الحالة في شبام
واقفرت أسواقها من التجار ورجال الاعمال ذهب بعض الشخصيات البارزة من آل الكثير
إلى العقاد واستنجدوا بالثري عمر بن جعفر بن عيسى بن بدر الكثيري وتعهدوا له
بتسليم امر شبام إليه .
وطمع عمر بن جعفر في حكم شبام وهجم بقوم من
آل كثير ومن يافع الضبي على شبام وعجز السلطان عمر بن جعفر بن علي الكثيري عن
الدفاع فسلم المدينة لهم سنة 1234 وقام بالامر عمر بن جعفر ابن عيسى خير قيام وعاد
التجار الفارون إلى ديارهم فعاد إلى المدينة نشاطها وحركتها.
ومات السلطان عمر بن جعفر سنة 1234 وقام بالامر عمه عبدالله أبن جعفر إذ كان أبنه منصور طفلاً في السنة الخامسة من عمره وكان عبدالله ضيعفاً خاملاً أخذ يرهق بالضرائب حتى عاد الكساد إلى أسواق شبام وأستحكمت الازمة المالية حتى أضطر لبيع نصف مدينة شبام ليافع . وهكذا عادت السلطة إلى يافع.
مذبحة
المساجد
سافر الأمير منصور بن عمر بن جعفر الكثيري
إلى الحجاز لتأدية فريضة الحج وعند عودته إلى شبام عزل عمه الأمير عبدالله بن جعفر
وتولى حكم شبام وكانت مطامحه واسعة , وفي الوقت نفسسه كان قلبه مليئاً بالحنق على
يافع , إذ يرى أنهم أغتصبوا ملك أجداده فأراد أن ينفرد بالسلطة كل الانفراد و الا
ينافسه في ذلك انسان ولكنه يعتقد كل الاعتقاد انه لا يستطيع بلوغ تلك الامنية
مادام في حضرموت قوم من يافع , وبعبارة أخرى مادام في شبام جماعة من اليافعيين
لذلك أخذ يترقب الفرص للقضاء عليهم ويتآمر لذلك مع آل كثير , ونجح إلى حد بعيد في
القاء بذور الشقاق بين رجالات الموسطة في شبام حتى إذا بلغ التنافس بينهم على
الرئاسة أقصى حدوده وأخذ كل من ناصر جابر النقيب اليافعي وعلي بن عبدالكريم
الجهوري اليافعي يكيل الشتائم والسباب والتهم للآخر دخل بينهما متظاهراً بالصلح
فيتصل بالنقيب مظهراً له بما تظاهر به للنقيب , وأدخل السلطان منصور جماعة من آل
كثير سراً إلى شبام . وفي ليلة عيد الفطر سنة 1260 وقد خرج معظم يافع من شبام إلى
أهاليهم في القَطْن أمر عبيده ان يكمنوا في المساجد وقت الافطار وكانت يافع محافظة
على صلاة المغرب فلما حضروا فتك بهم العبيد وبلغ عدد القتلى منهم خمساً وثلاثين
نفساً.
لقد قتل السلطان منصور عشرات من يافع في أقدس
الاماكن وأطهر البقاع . قتلهم وهم عزل من السلاح لأنهم كانوا في المسجد يصلون ,
يالهول هذا الغدر , ولكن المطامع الجشعة طغت على عقله وجردته من الايمان فلم يخش
الله تعالى ولم يقم وزناً ليوم الحساب , ومن غرائب الدنيا ان بعض ادعياء الصلاح
والتقوى برروا فعلة منصور التي فعلها أو الجريمة الشنيعة التي أقترفها , فقد أرسل
عبدالله بن عمر بن يحيى باعلوي كتاباً مؤرخاً في 10شوال سنة 1260 إلى السلطان
منصور مظهراً له استحسانه لتلك المذبحة .
ولم يكتف منصور بذلك فقد أجهز ليلة عيد الحجة
سنة 1260 على حصن من حصون آل الخلاقي يقال له حصن معمر فأحرقه بالبارود فسقط على
من فيه من الرجال والنساء والاطفال .
وحاصر مدينة خشامر مقر أخواله آل علي جابر الذين
نشأ بينهم , وأنشأ منصور حصوناً ( القاهرة وسهالة وغرفة بشير ) وأستولى عنوة على
حصن السعيدية وطرد منها حاميتها من آل عبدالعزيز , وقوى مركز العقاد , وجهز جيشاً
من العوامر وآل باجري وآل كثير , وأخذ يضايق فخائذ يافع في مضاجعهم ويقلق راحتهم
ويتحرش بهم ويتحين الفرص للتنكيل بهم والقضاء عليهم.
وليس من شك ان مذبحة المساجد أثارت غضب يافع
وأثارت الالم في كل من في قلبه مثقال ذرة من الرحمة من غير يافع . وليس من شك ان
محاصرة منصور لخشامر وتحصينه العقاد وبناء الحصون وتهديده ليافع . كل ذلك نذير لهم
باقضاء والفناء .
التجاء يافع إلى القعيطي
عندما ساءت حالة يافع وتفرقت كلمتهم وذهبت
ريحهم وبدأت الدولة الكثيرية بالغرف تنهض وتوطد دعائمها , أجتمعت فخائذ يافع
بالقطن وتبادلوا الاراء فيما بينهم لاسترداد سلطانهم ودفع ما يحيط بهم من الاخطار
والرزايا , ولكن الذخائر كانت قليلة ولا طاقة لهم بنفقات الحرب ضد آل كثير , لذلك
قر رأيهم على الالتجاء الى الثري الكبير الجمعدار عمر بن عوض القعيطي اليافعي
المقيم في حيدر اباد الدكن , للاستعانة به لتنفيذ خططهم وتحقيق غايتهم على ان
يولوه شؤونهم بحضرموت.
ولقد تأثر القعيطي بما حل بقومه يافع إلى
أقصى حدود التأثر , فأرسل عامر عوض القعيطي باموال إلى حضرموت واشترى مدينة الحوطة
من آل العيدروس , وسميت بعد ذلك حوطة القعيطي , وتسمى الآن (الريضة ) تحيط بها
غابات كثيفة من النخيل ومساحات واسعة من الاراضي الزراعيةالخصبة
.
ابتاع القعيطي الحوطة
لتكون نواة لدولة يافعية بحضرموت , ولما اقترف السلطان منصور ما اقترف من الجرائم
الشنيعة ضد يافع ولما بلغت انباء مذبحة المساجد ودك حصن معمر بمن فيه من يافع الى
الجمعدار عمر , تألم أشد الألم وتحمس , فجمع أصحاب الفكر من يافع وشاورهم في الأمر
, وقيل ان الشاعر الشعبي سعيد باعطوة ارسل قصيدة للجمعدار عمر يستثير حفيظته
ويدفعه لنجدة يافع .
وفي رواية ان الشاعر الشعبي ناصر باعطوة
, دخل على الجمعدار عمر في جمع من يافع في مكتبه بحيدر اباد , وكان باعطوة
متلثماً بطرف ردائه فقال , الجمعدار : (( ماذا دهاك ياعطوان؟ )).
فقال : (( لا شيء ياسيدي سوى انني اشتم رائحة
جلود محروقة بالبارود )).
ويقصد بذلك دك منصور لحصن معمر بمن فيه من
يافع , فتأثر الجمعدار عمر اشد التأثر وارسل عبديه الماس عمر وعنبراً تحت رياسة
ابنه محمد وزودهم بأموال , طائلة وعند وصولهم إلى القطن سنة 1260 اشتروا حصون
الكُروُس من سعيد بن حسين بن علي الحاج , ثم ارسل الجمعدار عمر ابنه الثاني
عبدالله في سنة 1261 ثم الحقه بعلي وعوض بطلي الحضرمي وبصحبتهما بقية افراد الاسرة
وتكوّن للقعيطي جيش بلغ تعداده 600 جندي من يافع وآل كثير وأستطاع يافع رفع الحصار
عن خشامر بعد معركة عنيفة , واندفع جيش منصور الى ضواحي شبام بعد سقوط حصون
القاهرة وسهالة وغرفة بشير في يد يافع.
وبعد ان استولى يافع
على بعض مراكز الشنافر هجموا على سحيل آل مهري في اواخر ذي القعدة سنة 1264 ولكنهم
فشلوا لقوة دفاع آل كثير, ثم حملوا على احد الحصون المنيعة على مقربة من السحيل ,
وكان فيه جماعة من آل كثير وعلى رأسهم ريس بن عبود , وقد اصيب يرصاصة في احدى
عينيه , وبعد مقاومة عنيفة اضطر ريس بن عبود الكثيري لمفاوضة يافع في التسليم على
ان يعطوه ورجاله حرية العودة إلى شبام فأجابه يافع إلى ذلك
.
وهكذا احتل يافع هذا الحصن المنيع ولكن بعد
ان دفعوا الثمن غالياً , فقد كان من بين بين القتلى شخصيات بارزة أمثال : عبدالله
بن عبدالحبيب بن قاسم بن علي جابر و صالح عمر بن علي الحاج
.
وبسقوط هذا الحصن في يد يافع أصبح سحيل آل
مهري مهدداً بالسقوط, وابتاع يافع حصن سعيد بن بدر بن مهري ثم استمرت غارات
يافع على المناطق الكثيرية وكبدوهم خسائر فادحة في الارواح والاموال , وهكذا تحول
موقف يافع من الدفاع إلى الهجوم .
عبود بن سالم يقود جيشاً
شعر آل كثير بالخطر يدنو إليهم ويحدق بهم
وينقصهم من اطرافهم و استطاع أقطابهم وفي مقدمتهم الأمير عبود بن سالم الكثيري ان
يوحدوا صفوف قبائلهم ويجمعوا شملهم ويقربوا بين وجهتي نظر آل عبدالله وآل عيسى بن
بدر.
ولقد
حشد عبود بن سالم فخائذ آل كثير ومماليكهم وسار بهم لمقاتلة يافع , وفي ذي أصبح
سمعوا صوت الصائح بمغار القوم فاتجهوا نحوها فعرفهم القوم و كروا عليهم بخيلهم و
مطاياهم وقتل أحد العبيد , وكاد القوم يحيطون بالأمير عبود لولا أنه نجا بالهرب
إلى شبام .
وقيل انه اتفق مع
السلطان منصور بواسطة آل يماني على ان يعطيهم ناصفة شبام بثمن وعلى ان يقوم بنصف
تكاليف الحرب ضد يافع , وعلى منصور النصف الآخر يخصم من ثمن ما اعطاهم , وان تكون
المصروفات وايرادات البلد على يد آل عبدالله والحكم لمنصور ولحاشيته
.
وعاد الأمير عبود إلى سيئون بعد ان حصن مدينة
شبام والسحيل والعقاد , ومن سيئون ذهب إلى تربة وتريم , وهناك جهز جيشاً من
العوامر وآل باجري والشنافر , وسار بهم ليلة الخميس آخر القعدة سنة 1264 إلى
الغرفة في طريقهم إلى شبام , فأضافهم منصب باعباد , وفي ذي اصبح اضافهم حسن بن صالح
باعلوي ودعا لهم بالنصر في صلاة الجمعة, وعلى مقربة من النقر مركز قيادة يافع قسم
جيشه ثلاث فرق على كل منها قائد كثيري , ثم هجموا على يافع , وجاء السلطان بجيشه
من الشرق , وبلغت المعركة اقصى حدود العنف, وتحت نيران حامية انسحب يافع واحرق آل
كثير اكواخهم بمن فيها من المرضى والجرحى وتحصن جماعة من يافع في مسجد النقر
وباتوا فيه فكر عليهم آل كثير واخرجوهم منه , وكان فيه من رؤساء يافع عبدالحبيب بن
بوبك بن نقيب , واحتفظ يافع بالحصن الذي اشتروه من سعيد بن بدر بن مهري وبالحصن
الذي بنوه على مقربة منه على الرغم من حصار آل كثير لهما , وذات ليلة اراد يافع
امدادهم بالذخيرة والغذاء والماء فصدهم آل كثير , واخيراً هجموا على احد الحصنين
واسروا حماته وكانوا اربعة من المماليك وساروا بهم إلى شبام بالطبول والاناشيد, ثم
احاط آل كثير بالحصن الآخر وكان فيه تسعة من يافع وحاصروهم ومنعوا عنهم الماء
والغداء فأضطروا للتسليم على الامان في وجه سالمين بن عبدالله بن طالب , وهكذا
استطاع آل كثير رفع الحصار عن شبام بقوة السلاح .
جلاء يافع عن تَرْيِس
كان امر مدينة تريس في يد النقيب اليافعي
ولوقوعها وسط المناطق الكثيرية أصبحت من أخطر الجيوب عليهم ولذلك فكروا في اجلاء
يافع عنها واحتلالها , فأخذوا يشددون الحصار عليهم , واستطاع ابوبكر ابن عبدالحبيب
النقيب وعبدالله بن صالح بن ناصر الوصول الى القطن لطلب النجدة من يافع في جمادي
الاول سنة 1264 , وعلم آل كثير ان نجدة قادمة في طريقها إلى تريس فكمنوا لها على
مقربة من تريس , ولحسن الحظ ترك يافع معظم ذخائر النجدة ومؤنها في خشامر عند آل
علي جابر خوفاً من وقوعها في يد آل كثير , وعلى مقربة من حصون العوانزة وكان
الظلام حالكاً انقض عليهم آل كثير , فانهزم يافع لقلة عددهم ونفاذ ذخيرتهم وتكبدوا
خسائر فادحة في الارواح ونجا باعجوبة عبدالله ابن صالح ودخل مدينة تريس , أما
ابوبكر عبدالحبيب فقد لجأ إلى حصن بئر بوبك وكان فيه عبد لآل النقيب , وفي آواخر
شهر جمادي الأول سنة 1264 حشد آل كثير جنوداً كثيرة من الشنافر والعوامر وجماعة من
قبائل القبلة يرأسها الشريف احمد بن مبارك من أهل بيحان وهجموا على تريس واستولوا
على جزء منها , واستمر الهجوم أمام مقاومة عنيفة من يافع وعبيدهم الذين تحصنوا في
بعض المنازل , وحاول آل كثير وضع اكياس من البارود تحتها لهدمها بمن فيها من يافع
ولكنهم فشلوا , وأخيراً ضربوا نطاقاً من الحصار حولهم ومنعوا عنهم المؤون والذخائر
والماء سبعين يوماً , وكاد يافع يموتون جوعاً وعطشاً فسلموا المدينة لسالمين بن
عبدالله بن جعفر بن طالب قائد آل كثير على شرط سلامة ارواحهم وعودتهم باموالهم إلى
القطن , وقام سالمين بن عبدالله وعلي بن مبارك بن عانوز بتنفيذ شروط التسليم.
استنجاد يافع بالقعيطي
بعد أن فشل يافع في
محاصرة شبام وبعد ان تكبدوا خسائر في الارواح والاموال استنجدوا بالجمعدار عمر بن
عوض القعيطي اليافعي بحيدر أباد الدكن . وقيل ان وفداً منهم وعلى رأسه حسين بن علي
الحاج وحسين بن صالح المصلي ذهبوا إليه وأحرق أحدهم عمامة من الحرير المقصب
بين يدي الجمعدار , فثارت حميته وأرسل أمين أمواله محمد بشهر إلى بلاد يافع وجهز
ألفيي مقاتل وعلى رأسهم صائل بن ناجي وعلي بن حسين الضباعي والحريبي والبكري ومحمد
بن سالم بن الشيخ أبي بكر , وقبل وصولهم اقترح عبدالله بن عمر بن يحيى على السلطان
منصور ان يغتنم الفرصة فيهجم على يافع بالقطن قبل أن يصلهم المدد , وارسل بعض كبار
العلويين للفضلي أمير الشقرة ليمنع اليافعيين من المرور في أرضه فأجابهم إلى ذلك
ولكن محمد بشهر رشاه بمبلغ كبير من المال فسمح لهم بالمرور في أقاصي بلاده ليوهم
العلويين وآل كثير انهم إنما مروا من غير أن يعلم بهم .
وصل يافع إلى المكلا في
محرم سنة 1265 فاستقبلهم النقيب صلاح الكسادي اليافعي واكرمهم اكراماً عظيماً
وارسلهم إلى القطن بعد ان امدهم بالمؤن والذخائر .
سقوط العقاد
تقع مدينة العقاد على مقربة من شبام ,
وموقعها الاستراتيجي هام جداً لشبام ولذلك حصنها آل كثير تحصيناً قوياً حتى أصبحت
أهم خطوطهم الدفاعية , وكانت تقيم فيه أسر من آل عيسى بن بدر , ويافع يعلمون كل
العلم انه لا سبيل لاحتلال شبام إلا بعد دك حصون العقاد أو احتلالها , لذا حملوا
عليها بمدافعهم الثقيلة واصلوها ناراً حامية واحدثوا بها أضرار جسيمة وقتلوا عدداً
كبيراً من حماتها وجرحوا كثيرين , واضطر آل كثير إلى التسليم من غير قيد ولا شرط ,
ودخل يافع المدينة فرحين بما احرزوه من النصر وكان ذلك في صفر سنة 1265 , وهكذا
تحطم أهم خط دفاعي كان يعتمد عليه السلطان منصور كل الاعتماد . وقيل انه كان في
بعض الدور أولاد عيسى بن جعفر وبعض الشنافر طلبوا الامان من يافع على ان يسلموا
لهم الدور بما فيها من الذخائر فاجابوهم الى ذلك , ولكن عندما خرجوا القى عليهم
القبض وأرسلوا إلى حوطة القعيطي وكانوا احد عشر شخصاً.
وظهرت بوادر النشاط في
آل كثير في خمور فقد قامت دورياتهم تهدد مواصلات يافع , فسار إليهم جماعة من يافع
وقضوا على جيوب المقاومة واوكار العصابات التي تقع بالقرب من خمور.
معاهدة بين يافع و آل كثير
تقع قرية آل عبدالعزيز في الشمال
الغربي لشبام ويقع سحيل آل مهري على مقربة منها والبلدتان _ ويقيم فيهما آل
عبدالعزيز و آل بلظراف الكثيريون _ من أهم المراكز الدفاعية لشبام , وكانوا يحلمون
في قلوبهم الكره للسلطان منصور لجوره وشدته , ولقد اغتنم الامير عوض ابن عمر
القعيطي اليافعي هذه الفرصة فتحالف معهم سنة 1265 تمهيداً لاحتلال شبام.
محاصرة شبام
والان وقد سقطت في يد يافع
العقاد وخمور وحذبة وما جاور هذه البلدان من مساكن آل كثير , اخذ يافع سنة 1266
يشددون الحصار على شبام ويقطعون مواصلاتها بنهد والقبلة , ولقد نجحوا في ذلك إلى
حد بعيد.
يافع
في تَريم
حين انهارت الدولة الكثيرية وزال سلطانها من
تريم سنة 1250 آل أمر تريم إلى آل لبعوس من يافع , ولقد استطاع الامير عبدالله عوض
غرامة اليافعي بحزمه وسياسيته ان يقوم بالامر وينشر فيها العدل والامن ولكن لسوء
الحظ لم تستمر هذه الحالة , فقد قام آل عبدالقادر ينافسون آل غرامة في حكم تريم
ويعملون في الخفاء لإضعاف قوتهم , وأشتد الخلاف بين الامير عبدالله غرامة وأنصاره
من سكان حصن الزناد وبين آل عبدالقادر وأشياعهم سكان النويدرة , وتطور النزاع إلى
مناوشات بين الطرفين , وتدخل في الامر الامير غالب بن محسن الكثيري , وقيل عبدالله
بن محسن وأتصل بآل عبدالقادر لما بينه وبينهم من الصداقة القوية , وبدلاً من ان
يصلح ذات البين اعادها خدعة وقام بأكبر قسط في اشعالها بعض العلويين من سكان سيئون
وتريم لكراهيتهم وبغضهم لابن غرامة لإعتناقه مبدأ الوهابيين الذين يحرمون البدع
والخرافات ويعتبرون التوسل بالأموات شركاً ولسوء الحظ مات الأمير عبدالله بن غرامة
فجأة فخسرت يافع رجلاً سياسياً حازماً عادلاً حراً كريماً , وخلفه ابنه عبدالقوي
وكان ضعيف السياسة قصير النظر ساذجاً يحسن النية في كل شيء سريع التأثر باصحاب
السلطة الروحية من العلويين وغيرهم حتى أصبح آلة صماء في يدهم , ونجح اصحاب السلطة
الروحية في عقد محالفة عسكرية سنة 1250 بين آل عبدالله الكثيري وبين آل عبدالقادر
اعداء آل غرامة , وجاء آل عبدالله بقوات إلى تريم يوم 5 رمضان سنة 1262 بحجة
مساعدة آل عبدالقادر ونشط جماعة من آل كثير ومن اصحاب السلطة الروحية في بث الخوف
في قلوب آل غرامة وأنصارهم , وأخيراً أغروا الأمير عبدالقوي غرامة على التنازل عن
حصته من تريم للأمير غالب بن محسن الكثيري مقابل أربعة الآف ريال , وأجابهم
عبدالقوي إلى طلبهم وهاجر هو هو حاشيته وأنصاره إلى القوز مساكن آل مرساف من آل
تميم سنة 1262 وطالب غالب بن محسن الكثيري ما تعهد به له من المال ولكن من غير
جدوى , وهكذا أنخدع عبدالقوي نتيجة سياسته الخرقاء ودبرت له المكيدة فوقع في
حبالها وحاول استرداد حقوقه السياسية ولكن ذهبت محاولاته أدراج الرياح , وليس من
شك ان سبب ضياع سلطان يافع على تريم انما هو التنافس فيما بينهم على السلطة
والتنازع على الحكم.
يافع في سيئون
عاصرت سيئون امارات
مختلفة المبادئ والاوضاع حتى إذا جاءت سنة 1240 بدأت سلطة يافع تظهر ويتسع نطاق
نفوذهم السياسي . وفي سنة 1264 أصبح الأمر كله في يدهم ولم يبقَ لآل كثير سوى
أسماء جوفاء لا تحمل معنى , ولكن سرعان ما أخذت سلطة يافع تتصدع وتنهار لتنافسهم
على الزعامة والرياسة , ففريق منهم يريد ان يكون أمر سيئون لعلي بن حسين بن الشيخ
علي , وفريق آخر يريد سالم حسين بوطلعة الشرفي وأشتد الخلاف والتنافر والشقاق ,
وأخيراً ثارت بينهم المناوشات وتبودل فيها اطلاق النار من الجانبين.
وأغتنم
بعض الشخصيات في سيئون ضعف يافع وتخاذلهم وتنافسهم على الرئاسة فأخذوا يعملون سراً
لإقصائهم عن سيئون وأسترداد سلطة آل كثير, وقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد , فقد
أنسحبت من ديارهم فراراً من الضغط والجور ما عدا آل الشيخ علي فقد فضلوا البقاء
لمصاهرتهم لآل طالب.
غزو سيئون
ليس من شك ان سقوط سيئون في أيدي آل كثير ترك
في نفوس يافع أثراً سيئاً اليماً , وليس من شك ان أهم آمالهم استرداد سلطتهم عليها
, ولقد ظهر نشاطهم في خشامر حيث تركزت قواتهم بشكل واضح وتحمسوا لاسترداد ما اغتصب
منهم من البلدان وقد أستردوا العقاد وخمور وحذبة وما جاورها من الديار وحاصروا
مدينة شبام حصاراً شديداً.
وفي ليلة الاثنين 25 من
ربيع الاول سنة 1265 سار من يافع ثمانماية مقاتل لغزو سيئون وقابلهم على مقربة من
سيئون عبد من عبيد عبدالحبيب بن صالح بن محمد سعيد الجحوشي وكان خبيراً بشوارع
سيئون وحصونها ومنافذها فرسم لهم خطة الهجوم , ولما علم آل كثير بذلك قام الامير
عبود بن سالم الكثيري يحشد قبائل آل كثير والعوامر وآل باجري للدفاع عن سيئون
واقصاء يافع عنها , وخرجت القوات الكثيرية من سيئون بقيادة الأمير عبدالله بن صالح
بن محمد الكثيري إلى مسيال سر حيث لا طريق ليافع إلا منه وكان البرد شديداً ,
وقبيل مطلع الفجر أنصرفوا إلى القرين من أعمال تريس ولكن القوات اليافعية مرت بعد
ذلك في المسيال ووصلوا إلى سيئون والناس يؤدون صلاة الصبح , وهناك دخل فريق منهم
الحوطة وأستولوا عليها , وفريق دخل الوسطة على مقربة من حصن الدويل وفريق ثالث دخل
السحيل وأحتله , ودخل فريق آخر دار خلع أحمد والدجن ومسجد جوهر.
وفي اليوم الثاني وصلت
إلى سيئون قوات كثيرة من آل عبدات وآل فلهوم والعوانزة لنجدة دولة آل عبدالله ,
وأستمرت الحرب سجالاً بين الفريقين أياماً وهجم أربعون من عبيد آل كثير وعلى رأسهم
فرج غالب , على مسجد جوهر , وكان فيه سبعة من عبيد يافع هرب ثلاثة منهم وأحتمى
أربعة بالمأذنة وأحتل المهاجمون المسجد وأقبل جماعة من يافع لإسترداد المسجد ولكنهم
فشلوا .
وفي الليل تسلل العبيد من المسجد واحداً بعد
الآخر خوفاً من هجوم يافع عليهم .
وكادت ذخائر يافع تنفذ فأرسلوا إلى القطن يطلبون
المدد ولكن من غير جدوى لان آل كثير وأعوانهم من القبائل محاصرون سيئون من جميع
الجهات , وحاولوا فتح ثغرة فهجم جماعة منهم على القرن وأحتلوا جانباً منه , ولكن
الأمير عبدالله بن أحمد وعبيده قاوموهم بكل قوة.
وأستطاع أربعمائة مقاتل من يافع التسلل من سيئون
في طريقهم إلى القطن لجلب مؤن وذخائر , ومروا ليلة الأثنين 12 جمادي الأول سنة
1265 على مقربة من مخافر آل كثير فتركوهم يمرون حتى لم يبق منهم سوى ثمانين
فأطلقوا عليهم النار وجاء إلى جبل المحترقة آل الفاس وآل العاس والعوانزة وقتلوا
منهم ثلاثين واسروا أحد عشر نفراً جاؤا بهم إلى تريس ثم أرسلوا إلى تريم وجرح
كثيرون من الفريقين , وقد تركت هذه الهزيمة التي لحقت بيافع أثراً سيئاً في نفسية
قومهم بسيئون.
وأخيراً أجتمع محسن بن علوي وآل الضباعي بدار
علي بن جعفر السقاف بيثمة للمفاوضة في الصلح بين الفريقين , ولكن آل الضباعي وهم
من لبعوس لم يحضروا في الميعاد المحدد لانهم علموا ان عدداً كبيراً قادم ليافع من
الأمير محمد بن عمر القعيطي ولما تأخر وصول المدد وكادت الذخيرة تنفذ اجتمع زعماء
الفريقين في دار علي بن جعفر السقاف وكان الأمير علي بن أحمد الكثيري وجماعة من آل
باجري نائبين عن آل كثير , وكان علي بن حسين الضباعي اليافعي نائباً عن يافع ,
وأتفق الفريقان على ان ينسحب يافع ( الغرباء ) وهم الذين أتى بهم محمد بشهر من
بلاد يافع , ولكن الضباعي عاد إلى محسن بن علوي وطلب إليه ان يكون الصلح ليافع
جميعهم التلد والغرباء , فرفع محسن الأمر إلى الأمير علي بن أحمد وأجتمع الطرفان
في دار عبدالله بن سالم الحبشي ثم في دار سالم عبود بحرق وحضر عن يافع ( التلد )
عبدالحبيب بن بوبك بن نقيب وصالح بن سالم بن يحيى عمر وسعيد عوض المرفدي , وبعد
مفاوضات انسحب يافع ( الغرباء ) من سيؤن ليلة الجمعة4 من جمادي الآخرة سنة 1265
تحت حراسة جنود من آل كثير.
وصعب البقاء على يافع ( التلد) وكان عددهم لا
يتجاوز 150 فانسحبوا من ديارهم واجتمعوا بالسحيل , واقترح عليهم عبدالحبيب بن بريك
ان يخرجوا أفراداً وجماعات , واندس عشرون منهم في يافع ( الغرباء ) اثناء انسحاب
هؤلاء ولجأ جماعة منهم إلى حصن الحد ليدافعوا إلى آخر رمق في حياتهم,
وأستمر عبدالحبيب يحثهم على الانسحاب فلم يجيبوه
فتركهم وشأنهم , وخرج هو وولداه حسين وسالم وعمر بن سالم بن حسين بن يحيى عمر
وولده ثم لحقهم جابر بن صالح بن ناصر بن نقيب وأثنان من العبيد فقابلهم جماعة
مسلحة من العوامر بالجبل وقتلوا جابر ابن صالح وعبداً واسروا العبد الثاني ودخلوا
به الى سيؤن,
وأستمر البقية من يافع
( التلد ) في حصن الحديد يدافعون بأقصى مالديهم من بطولة وقوة,
وأشار عبدالله بن عمر
بن يحيى باعلوي بحرق الحصن بمن فيه من يافع ولكن آل كثير رفضوا , ولما نفذت
ذخائرهم وكادوا يموتون جوعاً وعطشاً عرض قائد الحامية وهو البطل صالح علي بوبك بن
على الحاج على الامير علي بن أحمد الكثيري التسليم على ان يكون لهم حق الاقامة في
سيؤن او العودة الى القطن.
وأخيراً اتفق الفريقان
على ان يبقى جماعة من يافع رهائن لدى السلطان عبدالله بن حسن الكثيري بتريم وخرج
الرهائن من سيؤن وفيهم سعيد عوض المرفدي وسالم سعيد المصلي وعبدالحبيب بن احمد
صالح وصالح بن سالم بن حسين وعبدالله بن محسن بن غالب بن يحيى عمر وغيرهم في يوم
السبت 13جمادي الآخرة سنة 1265 وباتوا في منزل آب عبدالغفار باكثير في السحيل , وأنسحب
الباقون صباح يوم الاحد ما عدا عبيد آل غرامة فقد أسروا,
وأرادت الدولة الكثيرية
ان تعتقل آل محمد سعيد الجحوشي وتصادر أموالهم ولكن المصلحين توسطوا في الامر على
ان تجليهم الدولة الكثيرية من سيؤن ويأخذوا معهم ما يستطيعون حمله من ممتلكاتهم ,
وهكذا جلا يافع عن سيؤن بعد ان حكموها نحو سبعين يوماً , ولم يبق بها أحد منهم سوى
علي بن أحمد هرهرة .
اطلاق سراح بعض يافع
كان لقبول يافع ( الغرباء ) الانسحاب من سيؤن
ليلة الجمعة 4 جمادي الأول سنة 1265 وقع حسن في نفوس آل كثير ولذلك أطلق السلطان
عبدالله بن محسن الكثيري سراح من أسر منهم في وقعة المحترقة وأبقى في الاسر يافع (
التلد ) لأنهم رفضوا الانسحاب.
وأمر السلطان بقتل عبيد
آل غرامة الذين كانوا في حصن الحد وعبيد القعيطي وآل عبدالهادي البالغ عددهم
واحداً وعشرين نفساً.
ويقول ابن حميد ان
أربعة من يافع تمكنوا من الفرار من السجن بعد ان حطموا القيود , وهم : بوبك بن
عبدالحبيب سلك طريق يثمة ولكن بعض آل كثير أدركوه في وادي شحوح وقتلوه وجزوا رأسه
ودخلوا به إلى سيؤن . والثاني غالب بن سعيد بن عبدالهادي . والثالث من بنيَّ أرض ,
وقد نجاهما الله من الاسر والموت والرابع وهو الرباكي الذي القي عليه القبض وقتل.
اما كيف استطاعوا تحطيم
قيودهم , فقد قيل ان بعض محبيهم أدخل بضعة مبارد إلى السجن داخل اقراص من الخبز
قطعوا بها قيودهم وقتلوا الحارسين وهما عبيد آل كثير وخرجوا من السجن ونجوا إلا
واحداً أدركه الناس في يثمة وأحضروه إلى الامير عبود بن سالم الكثيري الذي اعجب
بصراحته وبسالته حين سأله عن قاتلي الحارسين , فقد حقن الأمير دمه حين أعترف بانه
واحد منهم.
نشاط يافع
وعلم اليافعيون بزحف الجيش الكثيري وتكتله في
مرير لمحاصرة الشحر , فأرسلوا إلى أمير المكلا النقيب صلاح بن محمد الكسادي وأمير
الشحر علي بن ناجي بن بريك ليقاوما كل غزو ويثبتا في مراكزهما مهما كلفهما ذلك من
تضحيات , وامدوهما بأربعمائة مقاتل من يافع تحت قيادة سعيد بن حسين بن علي الحاج
اليافعي , وأنضم إليهم جماعة من آل تميم وعلى رأسهم محمد بن سعيد بن شملان .
محاولة يافع احتلال شِبَام
لم يضعف نشاط يافع حول احتلال شبام , ولم يدب
اليأس إلى قلوبهم حين فشلوا في الاستيلاء عليها , فقد استمرت أنظارهم متجهة إليها
وآمالهم منصبة نحوها لجعلها قاعدة لدولتهم الجديدة ومركزاً لقيادتهم وأعمالهم وهي
بلا شك أحسن موقع لتوجيه للضربات لآل كثير.
وتمهيداً لذلك عقد القعيطي معاهدة صداقة بينه
وبين آل هضيل سكان الظاهرة التي تقع على مقربة من شبام وذلك يوم 13 ربيع الاول سنة
1270 , وآل هضيل فخذ من آل كثير عاهدوا القعيطي على ان يبقوا على الحياد ويسمحوا
ليافع بالمرور لمحاصرة شبام والهجوم عليها لاحتلالها , وقبل ذلك أي في شعبان سنة
1270 عقد القعيطي مع ابن يماني التميمي معاهدة عسكرية.
ارسل القعيطي حملة من
يافع وهجموا على شبام ودخلوها من الشمال واحتلوا الشويرع , وهناك دارت بين يافع
وآل كثير معارك بالبنادق والسلاح الابيض , ولما علم العوامر وآل باجري نبأ تلك
المعارك جاؤا لنجدة السلطان منصور بن عمر الكثيري , واستطاع السلطان منصور ان يؤثر
في آل هضيل حلفاء يافع ويشتري ضمائرهم بالمال , فقد نقضوا العهد وانضموا الى منصور
وحاربوا وطعنوا يافع من الوراء, واستمر القتال والمناوشات بين الفريقين نحو ثمانية
شهور, وتوقفت في خلالها حركة التجارة في شبام ودبت الفوضى فيها وانتشر التذمر بين
التجار الامر الذي دفع بعضهم لمساعدة منصور بالمال لتحريض آل هضيل على تمزيق
المحالفة بينهم وبين يافع, ولم يكن ذلك حباً من الشباميين في آل كثير أو كرهاً
ليافع , ولكن توقف مصالحهم التجارية وانقطاع مواصلاتهم بالخارج وتعرض اموالهم
وممتلكاتهم للخسائر والاضرار كل ذلك دفع بعضهم لمساعدة منصور حين رأوا رجحان كفته.
موقعة المكلا البحري
وفي ليلة حالكة الظلام
وصل اسحق بن يحيى (( راجع صفحة 160{ في جنوب الجزيرة العربية } للمؤلف )) . بقواته
في بضع سفن إلى ميناء المكلا ولم يدر بخلده ان النقيب الكسادي على أتم استعداد
لدحرهم و إصلائهم ناراً حامية , فقد كان النقيب يقظاً حازماً باسلاً , فعندما علم
بوصول سفن الاعداء اصدر أمره إلى حماة المدينة ليدحروهم وينزلوا بهم شر هزيمة ,
وأنطلق الحماة من يافع والمماليك في عشرات القوارب وأحاطوا بالاعداء فبهت اسحق
وقومه وأنتشر الذعر بينهم وكانت بعض حصون المكلا تطلق عليهم قذائفها في شدة وعنف
فأنسحب المهاجمون ولاذوا بالفرار وأتجهوا نحو الشحر للهجوم عليها ولكنهم لم
يستطيعوا ان يرسوا بمراكبهم في الميناء لضحولته ولهيجان البحر وهبوب العواصف واخذت
مدافعهم تطلق قذائفها على المدينة ولم يفلحوا في اصابة الاهداف لبعد المسافة , ولم
تقع خسائر في الارواح والاموال وأخيراً بعد ان نفذت أو كادت تنفذ ذخائر اسحق بن
يحيى أبحر بسفنه مخذولاً مهزوماً , وهكذا فشل اسحق في أعظم محاولة للقضاء على يافع
, ولم يكن هذا الفشل لضعف تفكيره وقصر نظره , فهو على جانب كبير من الذكاء والنشاط
وقوة الشخصية وبعد النظر ولكنه سيء الحظ , ويظهر انه لم يحسن إدارته العسكرية وان
كان ذكياً نبيهاً نشيطاً فصيح اللسان قوي الحجة ولكنه لم يكن قائداً حربياً , وكان
يمكن ان يصيب شيئاً من الظفر والنصر لو لم يظهر يافع من الشجاعة والبسالة الشيء
الكثير ولو لم يستميتوا في الدفاع عن كل شبر من اراضيهم بكل قوة وعنف.
أما الأمير عبود بن
سالم الكثيري القابع بجيشه في مرير فقد تلقى انذاراً شديد اللهجة من أمير المكلا
النقيب صلاح الكسادي اليافعي , وخاف بعض رجاله عاقبة الانذار فانسحبوا , ومن هؤلاء
: محسن بن علوي السقاف الصافي وعلوي بن سقاف بن محمد الجفري وأحمد بن زيد بن سميط
وأبوبكر بن محمد بن أحمد بن زيد الحبشي وشيخ بن عبدالله بن زين الحبشي وعبدالرحمن
بن علوي السقاف وعبدالله بن حسين بن شهاب وعلي بن حسن بن حسين الحداد وعبدالقادربن
حسن بن صالح البحر ومحمد بن محمد بن هاشم الحبشي .
ولم يرضخ عبود بن سالم
لإنذار الكسادي فثبت بجيشه في مرير حتى إذا أرسل الكسادي مدداً من يافع للأمير علي
بن ناجي بريك والي الشحر ثارت الحرب بين الفريقين , وكانت معركة عنيفة أبلى فيها
يافع بلاء حسناً , وانهزم جيش عبود على الرغم من كثرة عدده وعاد إلى سيؤن
.
مناوشات
في سنة 1269 هجم يافع وآل تميم على حصون
الوهد وابن صبرة الواقعة شرقي المسيلة وأحتلوها وغنموا أسلحة من عبيد آل عبدالله
وأسروا أربعة منهم فتحمس آل كثير وأرسلوا قواتهم على ثلاث دفعات احداها تحت قيادة
عبود بن سالم والثانية برياسة علي بن أحمد الكثيري , والثالثة بقيادة عبدالله بن
صالح الكثيري وهجموا على حصون آل تميم الواقعة بين حصن أبن فلوقة وحصن بلغيث
واحتلوها عنوة وأسروا ثمانية من حماتها.
وجاء جماعة من آل تميم
ومعهم مائتا مقاتل من المناهيل ورابطوا شرقي تريم وقطعوا المواصلات وبنوا حصوناً
على مقربة من مضلعة ابن سهل ورابطوا فيها , ولما علم آل كثير ساروا إليهم بقوم من
العوامر وآل باجري , وأشتبك الفريقان في معركة عنيفة انتهت باندحار آل تميم
.
السلطان غالب بن محسن الكثير
في صفر سنة 1272 جاء السلطان غالب بن محسن من
حيدر آباد إلى سيؤن , وهو من أعظم الشخصيات الذين بذلوا كل مرتخص وثمين في تكوين
الدولة الكثيرية الفتية , وقام بدور كبير في الصراع الذي كان قائماً بين يافع وآل
كثير , وكانت حيدر آباد مهجره الوحيد وفيها ساعده الحظ فأثرى وسطع نجمه وعلا أسمه
وأصبح من الرجال البارزين على ان مركزه كان دون مركز الجمعدار عمر بن عوض القعيطي
, ولذا قام التنافس بين هذين البطلين , وتطور هذا التنافس إلى لون آخر من التعصب
القومي حين أشتد الصراع في حضرموت بين يافع وآل كثير , فقد نشط غالب بن محسن في
نشر الدعاية ضد القعيطي وأخذ يهدده بالانتقام من أولاده ومن يافع بحضرموت , ولكن
القعيطي كان أقوى منه نفوذاً وجاهاً وأكثر منه مالاً ودهاء , فلم تؤثر فيه مساعي
غالب ولم تلحق به ادنى ضرر , ولما شعر بالفشل والخذلان قفل راجعاً إلى حضرموت
حاملاً معه أموالاً كثيرة , وقيل ان ملك حيدر اباد خشي قيام الفتنة بين العرب
عندما أشتد النزاع والصراع بين البطلين فاصدر أمره بترحيل غالب عن ولايته.
القعيطي يقود جيشاً
جهز الأمير عوض بن عمر
القعيطي اليافعي 600 مقاتل يافعي وأمدهم بكل ما يحتاجون اليه من الموؤن والذخائر
وتولي بنفسه قيادتهم وسار بهم نحو شبام في يوم 27جمادي الأول سنة 1274 , ولما
وصلوا الموزع ( الخزان ) بدأت المناوشات بينهم وبين آل كثير , وكان حصن السعيدية
المنيع يقف حائلاً دون هجوم يافع على شبام , فقد حصنه السلطان منصور بن عمر
الكثيري باربعين مقاتل من عبيده وجعل عليهم مبارك العريان بن عبدالعزيز الكثيري ,
ويقول باعباد ان مبارك العريان حين شعر بقوة يافع المعنوية واستماتتهم في الهجوم
فكر في تسليم الحصن مقابل مبلغ من المال , وفي ليلة حالكة الظلام انسل من الحصن
وذهب رأساً إلى مركز قيادة يافع وقابل الامير عوض وأتفق معه على ان يمهد له
الاستيلاء على الحصن مقابل 500 ريال , وعاد مبارك إلى الحصن وحين استولى النوم على
جنوده صعد إلى السطح وأشعل ناراً فتقدم ثلاثون من يافع ونقبوا جدار الحصن ودخلوه
فبهت الحماة وقامت معركة عنيفة بالسلاح الابيض واحتل يافع الحصن وأسروا عدداً من
رجاله , وهكذا سقط في يد يافع حصن منيع . اما خطوط دفاع آل كثير في بزرق والركز
فقد دكتها مدافع القعيطي الثقيلة وغادروها المدافعون بعد ان اشتبكوا مع يافع
بالسلاح الابيض تاركين وراءهم عدداً كبيراً من القتلى والجرحى .
الصلح
بين الفريقين
لا شك ان سقوط السعيدية
ودك خطوط الدفاع جعل مدينة شبام تحت رحمة يافع , ولقد بذل السلطان منصور كل ما في
وسعه لجلب الامدادات ولكن من غير جدوى فقد خذله قومه آل كثير , ويقول السيد ابن
عبيد الله السقاف ان السلطان منصور انسل في اثناء حصار يافع لشبام وذهب إلى سيؤن
وكان بها السلطان غالب بن محسن الكثيري وشكا حاله إليه وقال له (( أعطوني بلاداً
من بلدانكم وأسلم لكم شبام, فقال له عبود بن سالم الكثيري نعطيك مريمة أو تريس,
فاغتاظ السلطان منصور وقال اتعطوني الاتان من بعد الفرس , لأحفرن لكم حفرة
لا تنجون منها ابداً, وعاد إلى شبام وشرع يفاوض الأمير القعيطي بواسطة آل سميط ,
وأخيراً باع له النصف الغربي لشبام ودخلت جموع يافع شبام يوم الخميس 20 جمادي
الآخرة سنة 1274 , وفي يوم الجمعة من الشهر المذكور جاء السلطان عوض بن عمر
القعيطي وتسلم نصف شبام.
جلاء يافع عن غيل بن يمين
عندما قوي مركز
الشناظير , وهم فخذ من يافع وتوطدت دعائم سلطتهم في غيل بن يمين وخاف الحموم على
سلطتهم فاخذوا يفكرون في زحزحة يافع من غيل بن يمين , وأنتهز آل كثير الفرصة
وحرضوا قبائل الحموم على التمرد والقيام ضد يافع واخراجهم من ديارهم عنوة وأمدوهم
بسلاح ومقاتلين من آل جابر والعوامر.
وهجم الحموم وأنصارهم على يافع, وأحاطوا بهم من
كل جانب وأستمر يافع يناضلون ويكافحون أربعين يوماً , ولما نفذ الماء والزاد
والذخيرة سلموا حصونهم إلى آل كثير في رجب سنة 1275 , وأنسحبوا بأسرهم إلى القطن
بعد ان جردوا من كل أملاكهم .
وقعة (( الحصاة ))
والحصاة حصن شاهق كان مقراً لعبود بن محمد
زعيم آل حرير الجعديين, وكان هذا الزعيم يتحدى القعيطي ويجاهرهم بالعداء لكل يافعي
وكان حصنه وكراً لآل كثير يلجأون إليه بعد شن غاراتهم على يافع, ولقد تضرر يافع من
هذا الحصن وتكبدوا خسائر فادحة, لذلك أرسل الأمير عبدالله بن عمر بن عوض القعيطي
جماعة من يافع وأمرهم الا يعودوا الا بعد احتلال الحصن وإبادة من فيه من المقاتلين
او أسرهم.
وفي ليلة حالكة الظلام
هجم يافع على الحصن ولم يكن حماته يتوقعون هذا الهجوم فوتب بعضهم من الشبابيك حذر
الموت وقتل نجل الزعيم وأسر البعض, كان ذلك ليلة 25 رمضان سنة 1276 وبعد الاستيلاء
على هذا الحصن امنت الطرق بين بلدان القطن وشبام وعاد السلام.
آخر مؤامرة للسلطان منصور
وأخيراً بعد ان خانه الحظ في تدبير مكايده
ومؤامرته فكر في ان يقوم بمذبحة ثانية ليضمها إلى مذبحة المساجد , فكر في اغتيال
السلطان عوض بن عمر القعيطي وكبار مستشاريه وأعوانه من يافع والعبيد , أمثال
عبدالله مانع بن علي جابر اليافعي وسالم بن علي بن هرهرة اليافعي وعمر عبدالله
بوبك اليافعي والحاج الماس وغيرهم اجتمع ببطانته في قصره وشاورهم في الأمر واتفقوا
على ان يدعوا السلطان القعيطي وكبار رجاله لحضور حفلة ختان نجله ثم يغتالهم عن
بكرة ابيهم , ويقول باعباد انهم وضعوا اكياساً من البارود على البساط المعد لجلوس
المدعوين من يافع , وشاء الله ان ينجو القعيطي واعوانه من المكيدة الشنيعة التي
دبرها لهم حليفهم منصور , فقد سمعت خادم عجوز كل ما دار من حديث المؤامرة في قصر
منصور والخادم من احدى الاسر الفقيرة التي كان يواسيها السلطان عمر القعيطي بالمال
ويعطف عليها كل العطف , قابلت الماس عمر في طريقها إلى قصر السلطان القعيطي
وأخبرته بمؤامرة السلطان منصور الكثيري , فهرع الماس عمر إلى القعيطي , ودهش
القعيطي وأعتراه الذهول لا خوفاً من الموت فهو الباسل المقدام ولكن لان محالفة
قوية تربط السلطانين برباط الود والولاء ولم يحدث من يافع ما يعكر صفو تلك الصداقة
ويدفع بمنصور إلى الخيانة والغدر.
مقتل السلطان منصور
لقد تعددت مكايد منصور وتكررت مؤامرته ضد
يافع واخرها هذه المكيدة الشنيعة التي لو نفذت لغيرت مجرى التاريخ الحضرمي , وليس
من الحكمة ولا من الحلم التسامح واللين من جانب القعيطي فقد تكون الشدة احياناً من
الحلم وفي هذا يقول المتنبي :
من
الحلم ان تستعمل الجهل دونه إذا اتسعت في الحلم طرق
المظالم
لذلك رأى السلطان عوض وأعوانه من يافع ان
يدعوا السلطان منصور إلى مأدبة ويفتكوا به وببطانته , وتحرك السلطان منصور من قصره
إلى قصر الخضراء وأجلسوه في غرفة عليا وهناك ضربه احد اليافعيين بالسيف فسقط جثة
هامدة , ثم قتلوا ابن عمه عبدالله بن علي بن جعفر واربعة من مماليكه والقوا القبض
على بقية آل عيسى بن بدر وعبيدهم واجلوهم عن خشامر وقرى القطن.
ويقول باعباد ان زوج
السلطان منصور هرعت إلى قصر الخضراء حين علمت بمقتل زوجها وكان في يدها سيف , وعند
مدخل القصر قابلت سالم بن علي بن هرهرة وعبدالله مانع بن علي جابر فهوت عليهما
بالسيف وجرحتهما جرحاً بسيطاً واخذا يقاومانها بشيء من اللين والرأفة ولكن لما
تمادت في غيها ضربها احدهما بالسيف فهوت نحو الارض ميتة , ويالها من جرأة وشجاعة
سيدة يافعية تحمل السيف لتقاتل به جماعة من يافع انتقاماً لزوجها الكثيري , انها
مثل اعلى للحب والاخلاص والوفاء .
أراد جماعة من يافع قتل الأمير عمر نجل السلطان
منصور الكثيري ولكن السلطان عوض منعهم , وليس هذا فقط بل احاطه برعايته وأكرمه كل
الاكرام وقرر له مرتباً شهرياً مدى حياته , ولما رغب الأمير عمر في السفر إلى
اندونيسيا زوده السلطان عوض بكل ما يحتاج إليه خلال سفره ومنحه مبلغاً كبيراً من
المال .
انفرد السلطان عوض بن عمر القعيطي بحكم شبام
وركز السلطة في يده ولكن من غير استبداد فقد كان لا يبت في أمر الا بعد ان يستشير
أعوانه من يافع وهكذا أستطاع يافع ان يوطدوا مركزهم ويمدوا سلطانهم وان يكونوا لهم
دولة في حضرموت بعد صراع أستمر عشرات السنين . ( من اراد المزيد فليقرأ كتابي { في
الجزيرة العربية } و { تاريخ حضرموت السياسي } .
الداعي الى الله
وهذا لقب أطلقه السيد
حسين بن عبدالله الدباغ على نفسه حين قام في يافع بحركته التي هزت اليمن وأدخلت
الرعب في حكومة عدن.
جاء السيد الدباغ من
مكة المكرمة مسقط رأسه إلى اليمن ونزل ضيفاً على الامام وبعد أربعة أشهر قضاها في
اليمن أطلع في خلالها على كل صغيرة وكبيرة سافر إلى ايطاليا ومنها إلى الحبشة
فبريطانيا فالهند فحضرموت وهناك أقام في المكلا وأنشأ مدرسة باسم الفلاح وكانت
الاولى من نوعها ولقد انتجت مدرسته وتخرج عليها عدد , هم اليوم من كبار موظفي الحكومة
القعيطية الحضرمية وغادر السيد الدباغ المكلا إلى لحج وهناك أنشأ مدرسة بأسم
الفلاح وترك لحج إلى عدن أنشأ ثالثة بأسم الفلاح . وفي رجب سنة 1357 غادر عدن
وسافر إلى اليمن براً لزيارة ولي عهد اليمن سيف الاسلام أحمد ( الامام الحالي )
ومعه أربعة وعشرون طالباً من ابناء يافع وغيرهم بطبولهم وملابسهم الرسمية وعندما
وصل الضالع عدل عن الذهاب إلى تعز وذهب بفرقته الموسيقية المكونة من الطلبة إلى
يافع التي تبعد عن امارة الضالع شرقاً بحوالي 88 ميلاً .
وفي 16 رجب عام 1357 وصل يافع فقوبل بحفاوة
بالغة واسعة النطاق وأقام في صنفرة في بلاد المفلحي وهناك أنشأ مدرسة بأسم الفلاح
وأنضم إليها عدد كبير من أبناء رؤساء يافع وأعلن للملأ انه نوى الاقامة في
يافع لنشر العلم وتمكين أصول الدين في قلوب يافع وغيرهم من سكان الجنوب
.
وكان السيد الدباغ على جانب كبير من الدهاء وقوة
الشخصية وفصاحة اللسان لذلك أخذت دعوته تمتد ويتسع نطاقها في يافع وفي خارج حدود
يافع وجاءته الوفود من قبائل كثيرة للسلام عليه وتهنئته بنجاح دعوته ووصلته دعوة
من بعض المشايخ في مقاطعة البيضاء ورداع .
وفي مساء 15 شعبان عام 1359 سافر وبصحبته
ثلاثمائة مسلح وعدد من الطلبة بطبولهم ووصل الضاهرة يوم 20 شعبان . وعلم الامام
بوصول هذه القوة التي يقودها السيد الدباغ إلى اليمن فخاف وذهبت به الظنون مذاهب
شتى وأراد الامام ان يقضي على هذه القوة الزاحفة قبل ان يتسع نطاقها ويمتد لهيب
خطرها لذلك جهز 8000 مقاتل تحت قيادة السيد الضميمي ولما بلغ السيد الدباغ نبأ
قدوم جيش الامام أنسحب من اليمن إلى بلدة حمرة في يافع ولكن الجيش اليمني أحاط
بالبلدة للقبض على السيد الدباغ الذي أصبح عدد أتباعه نحو ألفين وأشتد القتال بين
الفريقين وأستمر النضال ثلاثة أيام وكان النصر لجيش الامام وكانت الخسائر فادحة في
الفريقين .
وعاد السيد الدباغ وفلول قوته إلى بلاد القطبين
التي تبعد عن عدن 68 ميلاً وهناك أعاد الكرة فدعا القبائل إلى التكاتف والتعاون
والصلاح فاجتمع حوله عدد كبير من قبائل ردفان .
وخافت حكومة عدن من تكتل القبائل وتجمعها حول
الداعية السيد الدباغ فارسلت منشوراتها إلى انحاء جنوب الجزيرة العربية تطلب القاء
القبض عليه مقابل مكافأة قدرها عشرة الآف روبية وخمس بندقيات .
وأستمر السيد الدباغ في
دعوته ونشاطه . وفي 2 رمضان عام 1360 قتل ضابطان بريطانيان ما بين الضالع ولحج
فظنت حكومة عدن ان للسيد الدباغ يداً في مقتلهما فارسلت طائراتها تلقي المنشورات
على بلاد قطيب طالبة تسليمه مع ستة من رؤوساء البلاد وهددتهم بالقاء القنابل عليهم
إذا لم يجيبوا طلبها ولكن قبائل قطب رفضت قبول طلب حكومة عدن فأرسلت الحكومة
طائراتها وأخذت تلقي القنابل في رمضان وأستمر القاء القنابل ثلاثة أشهر وعززت
طائراتها بقوة من الجنود تحاصر القبائل وذات ليلة هجمت القبائل وعلى رأسها السيد
الدباغ على قوة المحاصرة واشتبك القتال في ثلاث مناطق الحراء والثمير والسليك وكان
النصر للقبائل إذ فرت القوة المحاصرة تاركة خلفها كثيراً من المؤن والمعدات
الحربية وكان عدد القتلى والجرحى من الجانبين كثيراً.
وأخيراً توسط سلطان لحج
وبعض رؤوساء المحميات بين الفريقين وهدأت الحالة وفي صفر سنة 1361 سافر الدباغ إلى
حضرموت سراً لزيارة بعض اصدقائه وعندما وصل المشهد القي القبض عليه بواسطة حاكم
الهجرين السيد محمد عوض النقيب احد طلبة السيد الدباغ الذين تخرجوا على يده في
مدرسة الفلاح بالمكلا وسلم السيد الدباغ إلى يد المستشار الانكليزي مستر انجرامس الذي أرسله
بدوره إلى عدن ومنها إلى بلاد العربية السعودية حيث وافته المنية بجيزان عام 1362.
يتبع
تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 7 نوفمبر 2010 الساعة: 22:56 م
الزمان غير الزمان والناس هالحين غير الناس ذالاك ..زمن امجاد الغزو والسيطرة للعصبيات ولى ..هذا زمن الشعب ودولة المواطنة والعلم والثقافة طريق التنمية والازدهار...اعجب من تقوقع البعض داخل شرنقات الاحلام القروسطية المريضة
ردحذف