الجمعة، 27 مارس 2015

تطور النظام القبلي في المنطقة-كتاب جبهة الاصلاح اليافعية3

كتاب جبهة الاصلاح اليافعية3

تطور النظام القبلي في المنطقة 


كتاب : جبهة الاصلاح اليافعية
تأليف : سالم عبدالله عبدربه - مندعي ديان
الطبعة الاولى 1992م


تطور النظام القبلي في المنطقة

       
    مثلما توجد بذور الفتن في النظام القبلي توجد أيضا بذور الإصلاح , ولا يمكن إدراك جوهر المقولة الواردة دون مسح لتطور النظام القبلي . ولأننا لا نملك معلومات كافية عن النظام القبلي في اليمن كإطار عام فأننا نمضي في تناول النظام القبلي في منطقة يافع كنموذج مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا النموذج ذو صلة مباشرة بكتابنا .

    لا يوجد اهتمام , حتى الآن بدراسة النظام القبلي في المنطقة وتاريخها بشكل عام وعُلل ذلك في العقدين الماضيين بأنه ميل مرفوض إلى المناطقية والقبلية . وقد أدى افتقادنا إلى معرفة تاريخ كل منطقة إلى الافتقار إلى معرفة تفاصيل تاريخ اليمن بشكل عام ولهذا فإن معظم المصادر قديمة وتعتمد في تاريخ المناطق على الحسب والنسب من دون تحليل علمي , وهكذا يقع الباحثون في هذا المطب واحداً بعد آخر .

    يشير أحمد فضل ( القمندان ) في كتابه المشهور " هدية الزمن في تاريخ ملوك لحج وعدن " إلى أن ابوالعباس بن علي نورالدين المالكي الحسيني الموسوي في الجزء الثالث من رحلته المكتوبة المسماة : " نزهة الجليس ومنية الأديب المنيس " قد بين ( ضمن نص مطول أورده القمندان ) بأن يافع هي ( القبيلة المشهورة من قبائل حمير الأكبر , سبأ الأكبر بن يشجب بن يعرب بن قحطان ) ..أما الكاتب صلاح البكري الذي استند اساساً إلى مراجع مصرية فيورد في كتابه " في جنوب الجزيرة العربية " أن يافع ( هم سلالة يافع بن يزيد بن مالك بن رعين الحميري , ومنهم مبرح أبن شهاب بن الحارث بين ربيعه بن سعد بن شرحبيل بن حجر بن عمرو ابن شرحبيل بن عمر بن يافع الرعيني الصحابي , وهو أحد وفد رعيني الذي هبط مصر وكان ميسرة عمرو بن العاص يوم دخل مصر ) , ولسنا بحاجة إلى الاستطراد في مراجع الحسب والنسب فمعروف أن القبائل اليمنية ترجع نسباً إلى قحطان وتنقسم إلى قسمين بحسب النسب ايضاً إلى أولاد سبأ : حمير وكهلان . ويافع احدى قبائل حمير .. وان ما يهمنا جانباً محدداً فيه الا وهو الرؤية لذلك التاريخ من زاوية نشوء النظام القبلي وتطوره في المنطقة .

    وحتى هذا الأمر يصعب علينا تناوله نتيجة لشحة المصادر والتحليلات التاريخية ووقوع معظمها اما في موقف التأييد أو التزمت للقبيلة أو موقف العداء والرفض المطلق لها , وتنعدم الرؤية العلمية المحايدة , ولكن لا بأس أن نحاول التعرض لتطور النظام القبلي في المنطقة بمقتضى رؤيتنا الخاصة مع الاجتهاد في تسطير بعض الأفكار والتحليلات العامة المتعلقة بنمو القبيلة في المنطقة كنمط اجتماعي اقتصادي سياسي للحياة فيها كجزء من الوضع الذي ساد في ماضي اليمن .

    جاء في ملاحظات لباحثين تاريخيين عارفين بأسرار النقوش أن النقوش السبأية القديمة شملت تماثلاً لاستخدام كلمتي : قبيلة , شعب , وعدم التفريق بينهما . وجاء في ملاحظات مؤرخين آخرين إلى أن القبيلة ( شعب صغير ) ولعل مجمل الملاحظات تؤكد ما يراه علماء التاريخ من أن القبيلة نشأت كجماعة صغيرة مكونة من عدة عائلات تربط فيما بين افرادها رابطة العرق والجنس كأساس للروابط الاخرى كاللغة والعادات والتقاليد والديانة وغيرها . وكان عهد نشأتها أواخر مراحل المجتمعات المشاعية البدائية التي شهد فيها بدايات تفسخه , ولا نعتقد ان اليمن قد شهدت مجتمعات الرق الذي يحدد المؤرخون سمتها الأساسية بانقسام المجتمع إلى طبقتين رئيسيتين : الأسياد والعبيد إذ حالت روابط القبيلة دون ذلك على الرغم من هيمنة القبائل الكبيرة على الصغيرة والتي تصل إلى حد الإخضاع لا إلى حد الاستعباد الكامل وما مظاهر العبودية التي بقيت حتى منتصف الستينات , في بعض المناطق سوى حالات معدودة تم فيها جلب أعداد قليلة من العبيد من افريقيا .

    وتؤدي بنا النظرة المتفحصة إلى واقع حياة منطقة يافع الماضية إلى استشاف بعض التوقعات التاريخية الهامة , فإذا ما استثنينا فترة الحياة القرمطية والتي لم يتجاوز عمرها الثلاثة عقود فإن المجتمع اليمني انتقل من المشاعية البدائية إلى الاقطاعية دون المرور بمرحلة مجتمع الرق لأن العلاقات القبيلة بأوجهها الاجتماعية والسياسية والاقتصاد تحرم استعباد فرد القبيلة المنتمي اليها بالحسب والنسب وليس بما يملك انطلاقاً من شرف القبيلة الذي لا يقبل حتى شتيمة في حقها , ولكن في الوقت الذي ينعم فيه كل اعضاء القبيلة بحقوق الحماية والتمييز فإن إنتقاص الحقوق من نصيب من لا ينتمون إلى قبيلة وليس لهم حسب ونسب ( أصيل ) فيعاملون وفقاً لتقاليد معينة تجعلهم اقل مرتبة من القبيلي , ولا توجد احصاءات ولو تقريبية عن نسبة اللا قبيليين إلى القبائل ولكنهم اقل بكثير لانهم عبارة عن جماعات نازحة . ومن كل ما ورد يتضح لنا أن المنطقة لم تشهد علاقات الرق والعبودية ولكنها شهدت علاقات تمييز واخضاع لصالح القبيلة ككل على ما هو غير قبيلي ولصالح القبائل الكبيرة والعريقة والقوية عن سواها من القبائل .

    والاستثناء من هذه النتيجة – القاعدة – هم السادة الذين لا ينتمون إلى أي قبيلة ومع ذلك يحظون بمكانة اجتماعية رفيعة كونهم دعاة دين وممثلين للسلطة الروحية ولا يعرف , ولا يعرف ما اذا كانت بعض عاداتهم كتحجيب النساء وعدم تزويج بناتهم مطلقاً لافراد القبائل او غيرهم ناتجة عن التوعظ والهروب من مشاكل القبائل ام ترفع عرقي واجتماعي , ومع ذلك فليس لهم امتيازات اقتصادية مؤثرة وتنحصر رفعة مكانتهم في الناحيتين الاجتماعية والروحية .

    إن دراسة النظام القبلي بدقة وتفصيل تحتاج إلى عمل منفصل قائم بحد ذاته والافكار التي اوردناها قصدنا بها التأكيد على أن النظام القبلي في اليمن , الذي انهارت بنائه القديمة في المدن وبعض انحاء الريف , هو حصيلة تطور تاريخي طويل الامد واطار يملك بطبيعته قدراً وافراً من المرانة والتكيف والاستيعاب للمتغييرات ولهذا انعكست فيه , سلباً وايجاباً , مجمل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والعادات والتقاليد والاعراف التي عبرت عن الانماط الاقتصادية الاجتماعية السياسية لحياة المجتمع كالمشاعية البدائية والقبلية في مراحلها الاولى والقرمطية والاقطاعية وشبه الاقطاعية وما شابها من صراع اجتماعي وتقاتل قبلي .. الخ .

    ويعطي النظام القبلي الذي ساد في منطقة يافع نموذجاً فريداً لان عراقته تواصلت دون تقطع نتيجة لعاملين رئيسين : اولهما الوعورة الشديدة لطبيعة المنطقة والتي جعلتها اثناء الغزوات القبلية الوحشية الداخلية والغزوات الخارجية الشرسة على اليمن وصراع الدويلات اليمنية , قلعة منيعة من الصعب اقتحامها , وادت طبيعتها الجغرافية ايضاً إلى ضعف التأثيرات الخارجية عليها والتي كان يفترض أن تكون قوية إذا ما راعينا حجم الهجرة الواسع من المنطقة الى العالم العربي والعالم الاسلامي وافريقيا وجنوب شرق آسيا .

    واذا كانت الطبيعة القاسية هي العامل الأول الذي ساعد على بقاء ونمو وتأصل النظام القبلي في المنطقة فإن العامل الثاني هو خطر الحروب والغزوات الداخلية والخارجية الذي ساد عبر التاريخ الماضي على واقع اليمن وكان سمة ملازمة له , والذي أدى الخوف المستمر منه إلى تماسك النظام القبلي وعدم ضعفه أو تحلله بحيث أكتسب مع مرور الزمن ودوام الخطر صفة النظام الاقتصادي – الاجتماعي – السياسي – العسكري . أي أن النمو الرأسي له اكتمل بوجود السلطنة كقمة لهرم بنيانه تأتي تحتها المكاتب , ثم القبائل , ثم اجزاء المكاتب ( الخمس أو السدس ) فالقبائل , فالفخائذ , ثم العائلات في اسفل الهرم ( البيوت ) . وكل هذا الأطر تشكل منظومة واحدة تربطها علاقات وضوابط صارمة بالرغم من أنها فيما بينها وحتى في ادنى الحلقات تعيش في أحيان كثيرة تناحراً متواصلاً يصل في بعض مراحله إلى الاقتتال الذي لا نهاية له .

    ولا ننسى عند الحديث عن محافظة النظام القبلي على طول أمد حياته مراعاة طبيعته المتماسكة الكامنة في " القوانين " المنظمة لمجمل علاقاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمؤطرة في الاعراف والتقاليد والعادات القبلية والتي تأقلمت مع مستجدات الواقع وصارت متلائمة مع تعاليم الدين الاسلامي الحنيف لا تتعارض بشيء معها , وقلنا قوانين لان العمل بها في المجتمع القبلي لا يسمح لأحد بأختراقها أو تجاوزها أو التفريط بها , وهي (الاعراف والعادات والتقاليد ) أساس النظر إلى كل أمر والحكم عليه , وموضع اجماع لدى الكل والخروج عنها يستدعي تكالب كل رجال القبيلة لايقافه ومنعه , وإلى حد ما كانت هذه القوانين القبلية قوية بحيث حدث بقدر لا بأس به من تصادم افراد القبائل وتطاحنها مع بعضها أو غزو واحدة لأخرى , ولكنها لا تمنح لاشكال السلطة الفوقية ( السلاطين , السادة , شيوخ المكاتب ) صلاحيات كافية تمكن من وقف سيل الفتن والاقتتال الدائر بين القبائل ومكاتبها وفخائذها وبيوتها وافرادها .

    وتكمن قوة ايمان افراد القبائل بهذه العادات والتقاليد والاعراف في اكتنازها حصيلة التاريخ المتصل بالمنطقة , كما هو الحال في سائر اليمن , من النظم الحياتية والقيم الروحية والرؤى الفلسفية والاتجاهات الفكرية والتي امتزجت ابتداء من ظهور الديانات الوثنية والديانات السماوية ومروراً بـ " الطاغوت " الذي يقال في المنطقة انه ملك وضع قانون القبيلة , وانتهاء بالدين الاسلامي الحنيف وتأثير المذاهب الاسلامية المختلفة بسبب من الهجرة أو تفاعل اليمن مع الاقطار الاسلامية الأخرى , وصارت خلاصة الامتزاج مجموعة متكاملة من الاعراف والتقاليد والعبادات التي تحمل في معظمها سمات وأخلاقيات وقيم انسانية وروحانية نبيلة جعلت الناس يتمسكون بهذه ( القوانين القبلية ) على الرغم من أن لها علات وسلبيات ولكنها قليلة مقارنة بالجانب الآخر .

    واستناداً إلى المعرفة المتوفرة عن النظام القبلي في منطقة يافع فإن النظام القبلي يستوعب ويتجدد مع التغييرات السياسية التاريخية لاسباب عدة ذكرنا بعضاً منها ونضيف هنا اهمها الا وهو ثبات الاساس المادي الاقتصادي للقبيلة وعدم تغيير جوهر وشكل الملكية في المجتمع القبلي الذي هو ملكية خاصة . فيتوسع العائلات وإنشطارها الدائم ادى إلى وجود ملكيات فردية للأرض التي بالكاد تسد حاجة الاسرة ولايمكن التخلي عنها مهما كانت الظروف قاسية لانها مصدر العيش الوحيد . ومع انه كان يوجد في كل زمن اغنياء . الا انه في نفس الوقت كان من الصعب العثور على ارض للبيع وكان رهنها شائعاً في حالة ضيق الحال الشديد او الجفاف أو ماشابهما من الحالات , وكما ذكرنا في موضع سابق فأن شحة الاراضي الزراعية في منطقة يافع التي يقابلها ازدياد مستمر في عدد السكان أفرزت حالتي الانتقال إلى أنحاء اليمن والهجرة إلى خارجها وظلت ظاهرتا الانتقال والهجرة سمة إقتصادية ملازمة لتاريخ المنطقة بدأت – حسب بعض المؤلفات التاريخية – منذ عام 2000 قبل الميلاد , يلاحظ أن ما وردناه – في معظمه – رؤية تحليلية لتطور النظام القبلي في المنطقة كنموذج يعطي صورة عن تطور النظام القبلي في الاطار العام ( اليمن ) ولم تتوفر لدينا معلوماتاً  تاريخية كافية للخوض في التفاصيل فالمصادر شحيحة , وجرى إعدام وتضييع معظم الوثائق التاريخية التي كانت تعج بها المنطقة فإذا أخذنا مسألة هامة في دراسة " تطور النظام القبلي في منطقة يافع " وهي تشكل السلطنات كقمة هرم للنظام فلا يمكننا التيقن من تفاصيل أسباب قيام سلطنة آل عفيف عام 942هـ وسلطنة آل هرهرة عام 990هـ . وسيادة الاولى على الجزء المسمى " يافع بني قاصد " والثانية على الجزء المسمى " يافع بني مالك " , ولا نعرف علاقة التسميتين بالوضع القبلي وتقسيمه في المنطقة , ولكن من المعروف أن مؤسس سلطنة آل عفيف هو محمد عبدالله بن أسعد الملقب " عفيف الدين " والذي يرجح كثيرون بأنه علامة ديني , أما مؤسس سلطنة آل هرهرة فهو الشيخ العلامة علي هرهرة الذي عين قبل تشكيل السلطنة كحاكم شرعي وممثل للشيخ أبوبكر مولى عينات الذي تمتع بمركز ديني رفيع الشأن في أنحاء يافع ومثل مصدراً للسلطة الدينية فيها حتى من مقره في عينات بوادي حضرموت , وتورد بعض الاقاويل التاريخية سرداً ثالثاً يقول بأن سلطنة " آل عفيف " جاءت موحدة ليافع على يد رجل دين صالح ( عفيف الدين ) ولكن بعد خمسين عاماً قاد الشيخ العلامة علي هرهرة قيام سلطنة ثانية بسبب نزاع حول تحصيل ( العشر ) وهو حصة الزكاة أو الضريبة التي تجمع من قبل السلطنة من جميع افراد القبائل .

    والمهم في الأمر هو الحاجة إلأى معرفة سبب ظهور السلطنة في النظام القبلي في المنطقة في هذه الفترة التاريخية بالذات : هل هو تحول نوعي في سلطة السادة والدعاة الدينببن بهدف الاصلاح بين القبائل ؟ .. أم أنه ناتج عن اوضاع طرأت في المجتمع اليمني حينها كظهور اتحادات للقبائل وسلطنات في مناطق أخرى ؟ .. الاجابة القاطعة بحاجة إلى جهد كبير لجمع المعلومات الدقيقة عن تلك الحقبة الزمنية , ولكننا نستطيع التأكيد هنا على أن ظهور " السلطنة " كأحد اشكال النظام القبلي لم يغير من الواقع القبلي أي تغيير جذري . فهو قد أسهم في ازالة بعض الفتن بين القبائل وزيادة فرص نجاح التنسيق فيما بينها , ولكنه لم يستطيع انهاء الفتن والاقتتال لأن حلول السلطنة بين القبائل تحددها طبيعة حكم السلطان الذي لا يستند إلى القوة بل إلى الشورى فيما بين القبائل حسب الاعراف والتقاليد والعادات القبلية السائدة التي لم يتبدل فيها شيء منذ قدوم السلطنة والتي يتخذ السلطان أحكامه وفقاً لقواعدها ولم توجد أعرافاً وتقاليد وعادات سلطانية تضعفها أو تشكل بديلاً لها .

    ومنذ القرن السابع عشر الميلادي بدأ الضعف يدب في أوصال سلطنتي آل عفيف وآل هرهرة نتيجة لتدعيمها السابق والمستمر اقامة سلطنات وامارات جديدة في المناطق الجنوبية من اليمن ونصرتها والمشاركة القتالية في تمتين سلطتها , كسلطنة " العبدلي " في لحج وعدن , وامارتي " الكسادي " و " البريكي " ثم سلطنة " القعيطي " في الشحر والمكلا وسواحل حضرموت وبعض اجزاء الداخل , ولكن ضعف السلطنتين والثمن الذي دفعته رجالاً وغذاء وعتاداً لم يؤد بأي حال إلى انهيار النظام القبلي في المنطقة التي لحقت بها أضرار مادية جسيمة منها التلاشي شبه الكامل لتجمعات سكانية كاملة كما حدث في الحرب الضروس بين " آل بريك " و " آل كساد " التي أنتهت بأنتهاء القبيلتين تقريباً , وبالرغم من كل ذلك ظل النظام القبلي يتنفس بقوة مؤكداً بأن السلطنات ماهي الا غطاء فوقي له لا جزء جوهري فيه , وهذه هي الحقيقة التي اردنا الوصول إليها .

    إن التطور النظام القبلي في منطقة يافع – على الرغم من خصوصياته – يجيء في نسق التطور العام للقبيلة في اليمن , وإذا تناولنا رؤى وحقائق عامة موجزة عنه فإن هدفنا إعطاء خلفية لفهم الواقع الذي جاءت فيه الاصلاحات ثم الاحراءات التقدمية الجذرية , وتكمن أهمية نجاح الحركة الاصلاحية والثورية في المنطقة في قدرتها على زرع قيمها وأفكارها بين الناس الذين عاشوا ردحاً طويلاً من الزمن وضعاً قبلياً تتوغل جذوره في عمق التاريخ إذا أستطعنا معرفته نكون بينة من قيمة ما أحدثته الحركة الاصلاحية والثورية التقدمية من تحولات ايجابية في المنطقة وضعتها على اعتاب مرحلة تاريخية نوعية جديدة .
 يتبع


تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 3 مايو 2012 الساعة: 01:41 ص

الأحد، 22 مارس 2015

تعريف : منطقة يافع-كتاب جبهة الاصلاح اليافعية2

 كتاب جبهة الاصلاح اليافعية2

تعريف : منطقة يافع


كتاب: جبهة الاصلاح اليافعية
تأليف : سالم عبد الله عبد ربه - مندعي ديان
الطبعة الاولى 1992م



القسم الاول

تطور النظام القبلي في يافع

منطقة يافع - تعريف



    دواعي وضع هذا الكتاب يمكن تلخيصها في محورين رئيسيين:

    أولهما : - ان جبهة الاصلاح اليافعية التي قامت في 13 ابريل 1963م .

    تشكل تجربة وطنية لها جذورها التاريخية , وخصائصها المحلية , وأبعادها التحررية والقومية , كونها أحدى التنظيمات السبعة التي شكلت تحالفاً في اطار الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل التي بدأت الثورة المسلحة ضد الاستعمار البريطاني في 14 أكتوبر 1963م , وخاضت نضالاً عنيداً حتى نيل الاستقلال الوطني للجزء المحتل من الوطن اليمني في 30 نوفمبر 1967م .

    وإذا كان لا خلاف على ذلك فإن الداعي جاء لإن تاريخ الجبهة ظل – كما هو حال الكثير من جوانب تاريخ شعبنا اليمني الحديث – حبيس الذاكرة وطي ادراج النسيان فطوال الفترة الماضية لم يسلط الضوء على الجبهة الا فيما ندر ومن خلال ذكريات شخصية أو احاديث عابرة عن تاريخ الثورة وبدايتها … ولم يصل الامر قط إلى حد التحليل العلمي الاولى لها كتجربة تاريخية هامة , كونها بدأت كحركة اصلاحية – في وسط المعمان القبلي – ولم يشهد اليمن لها مثيلاً من قبل .

    ثانيهما :- تركزت الدراسات والابحاث عن القبائل اليمنية حول اصولها وجذورها وفروعها , واتسمت بتناول تاريخها القديم ( ما قبل الاسلام ) وتاريخها الحديث وخاصة خلال العقود الماضية ولم تتناول بالاهمية المجتمع القبلي في اليمن وما طرأت عليه من تغييرات وتبدلات وخاصة منذ خمسينيات وستينيات القرن الحالي ما عدى دراسات وكتابات قليلة جداً انطلقت أكثرها من موقف العداء للقبيلة أو موقف التزمت لها , ولم يؤخذ المجتمع القبلي بمنظار علمي كونه يحمل جملة من العوامل والمظاهر السلبية والايجابية على حد سواء … ولهذا افردنا الجزء الأول من الكتاب لدراسة تطور النظام القبلي في منطقة "يافع" الذي يعد جزءاً من النظام القبلي في اليمن كلها يعكس جوانب هامة منه .

    وبإتجاه تلبية تلك الدواعي التي يجيء الكتاب من اجلها , فإنه يلزمنا في البداية أن نعطي القاريء الكريم بعضاً من التوضيحات عن منطقة "يافع" منشأ الجبهة الاصلاحية , وأن نصفها جغرافياً وتاريخياً مع إيراد نماذج من النزاعات والحروب القبلية التي دارت فيها , وأسباب نشوب الفتن القبلية وأثرها على حياة أبناء المنطقة … ولابد من اعطاء صورة عن أهم العادات والتقاليد القبلية المتصلة بالفتن وازالتها … وكل هذه المعلومات ضرورية مقدماً لكي يتم ادراك الظروف والاجواء التاريخية التي نشأت فيها جبهة الاصلاح اليافعية .

    منطقة يافع من المناطق اليمنية المعروفة عبر التاريخ , وهي تشمل المناطق التالية : لبعوس وضبي والمفلحي والحضارم والموسطة والحد والسعدي وكلد واليزيدي ويهر وذي ناخب وامشقي وخنفر والحصن وباتيس . وتحدها من الشمال البيضاء ومكيراس وبلاد آل الحميقاني , ومن الغرب ردفان والضالع وحالمين , ومن الشرق مكيراس ولودر , ومن الجنوب أبين ( بلاد أهل فضل ) .. هذا حتى منتصف الستينيات , ما قبل ذلك لم نستطيع الحصول على تفاصيل مبرهنة بمناطق يافع حيث يقال بأنها كانت تشمل مناطق كثيرة غير تلك التي ذكرناها آنفاً .. ويافع منطقة جبلية تمتاز جبالها بشدة الارتفاع والانحناء ويربط البعض بين تسميتها وطبيعتها الجغرافية "فاليفع أو اليفاع هو التل المشرف أو كل ما أرتفع من الارض" و "اليافعات من الامور" ما علا من الاشياء بشدة مزعجة , والجبال اليافعية تعني : الجبال الشامخة .

    وتبعد يافع عن صنعاء عاصمة اليمن بحوالي 150 كيلومتراً في خط مستقيم وتبعد عن عدن بما يقارب 40 كيلومتراً في خط مستقيم . ومعظم مساحتها جبال شاهقة اعلاها جبل " ثمر " الذي يرتفع عن سطح البحر بـ 8245 قدماً , وتتميز بشدة انحدار تضاريسها الجبلية الحال الذي لم يمكن من مد طريق للسيارات اليها الا بطريق ترابية شقت في بداية السبعينات , وكان تنقل الافراد ونقل المواد يتم عن طريق المشي واستخدام الجمال والحمير .. وبرغم قساوة التضاريس الجغرافية ليافع الا أن اودبة خضراء تنتشر في كل نواحيها ومنها ما يطول امتداده كثيراً كوادي " يهر " ووادي " حطيب " ووادي " ذي ناخب " وغيرها .

    ولا تعتمد الزراعة كلياً على الوديان واراضيها المسطحة بل أن معظمها يقوم في المدرجات الزراعية التي يبدأ تشييدها بمحاذاة الوديان حتى وصلت إلى أعالي الجبال , وتتميز المدرجات الزراعية في يافع عن نظيراتها في بقية انحاء اليمن ببناء اليمن ببناء جدران حجرية تحتضن تربة المدرج وتحميه من التداعي بسبب الانحدار الشديد أو حماية من سيول الامطار الغزيرة .. لهذا فإن الاراضي الزراعية في المنطقة شحيحة جداً اذا ما استثنينا الاراضي الزراعية الشاسعة التي تشكل الجزء الأكبر من دلتا أبين والتي كانت تابعة لما كانت تسمى سلطنة " يافع بني قاصد " وادخلت اليها زراعة القطن من قبل الادارة البريطانية في بداية الاربعينيات من هذا القرن .

    وقد عرف الحسن بن أحمد الهمداني يافع في كتابه ( صفة جزيرة العرب ) بأنها : " سرو حمير" , وال " سرو " في اللهجة العربية الجنوبية القديمة تعني : الهضبة . وحدد الهمداني في كتابه حدود يافع آنذاك بأنها تشمل مساحة المناطق التالية :- يافع ويافع بني قاصد وردفان والضالع والشعيب والمفلحي وجبن .. أما جواد علي فعرفها في كتابه ( تاريخ العرب قبل الاسلام ) بأنها " نجد حمير " واشار إلى أنها المناطق التي يمر بها وادي بنا الذي يعتبر وادياً رئيسياً يتجمع في مرتفعات اليمن الوسطى ويشق مجراه في مناطق لحج وأبين الجبلية ثم الساحلية وقد سمي " نجد حمير " لأنه – حسب الدكتور جواد – يشمل مناطق نشأت فيها الدولة الحميرية .

    وتهطل الامطار على منطقة يافع في موسمين سنوياً : الصيف والخريف .. وتهطل في الصيف بسبب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية , وكذلك الحال في موسم امطار الخريف حيث تنزل الامطار على مرتفعات اليمن الوسطى بما فيها يافع لتروي الارض وتذهب سيولها الجارفة في مجرى وادي " بنا " حتى تصل إلى اراضي دلتا أبين فيستفاد من جزء منها ويذهب الجزء الآخر هدراً إلى بحر العرب .. كما تنساب سيول يسيرة عبر وادي " حسان " لتروي اراضي شرق الدلتا " أبين " .

    وتتمتع يافع بطقس جيد , كما هو حال كل مرتفعات اليمن , معتدل صيفاً حين تكون المناطق الساحلية من اليمن حارة جداً , وبارد شتاءاً حين تكون المناطق الساحلية معتدلة الجو إلى حد ما .. ويسبب من هذا ومواسم الامطار فإن المحاصيل الزراعية متعددة متنوعة أهمها البن اليمني المشهور والحبوب بأنواعها وخاصة الذرة , وتنتشر زراعة القات وأنواع شتى من البقوليات كالسمسم وغيره , وبعض الفواكه كالدوم والفرسك والبلس والتين والموز والباباي و " الترنج " وهو من الحمضيات البرية , وكذلك خضروات متنوعة … وقد ساعدت على انتعاش الزراعة الدائم في المنطقة براعة ودقة قنوات الري وخبرة الفلاحة العريقة المكتسبة عبر توارث الاجيال .

    وتعتبر الزراعة المجال الرئيسي لاشتغال السكان تليها الهجرة طلباً للرزق ورعي الاغنام كعمل تقدم عليه كل اسرة , ثم يأتي الاشتغال بالبناء والتشييد , ورغم أنه يعتمد على المواد المحلية حتى وقت قريب الا ان طرق البناء في يافع مشهور في ارجاء اليمن لانها تتفرد بإتقان ومتانة رفيعين , ويصل ارتفاع المباني إلى سبعة وثمانية طوابق من البناء الحجري المتين الذي يصل في متانته إلى مستوى القلاع والحصون الحربية , ولذلك اسباب أخرى , غير الوقاية من البرد وأطالة عمر المباني , تعود إلى واقع العهود الماضية المليئة بالحروب والاقتتال والتي لم تحدد قوة البناء فقط بل ومواقع البناء التي كانت تتم في الغالب على المرتفعات وقمم الجبال الشاهقة .. ولهذه المهنة ممتهنون معروفون في كل انحاء المنطقة وأشهرهم " آل بن صلاح " . وقد انتشر طراز البناء اليافعي في مناطق يمنية عديدة منها : البيضاء والزاهر وآل الحميقان ومودية وابين وأحور والعوالق , ولم يلق هذا الطراز اليمني الرفيع الاهتمام العلمي الكافي حتى الآن .

    وتشير الكثير من الدلائل إلى أن منطقة يافع ظلت طوال العهود الماضية مكتضة بالسكان لاسباب كثيرة منها تزويج الشبان والشابات وهم لم يتعدوا سن المراهقة كعادة اجتماعية تمنعهم من الطيش , والميل إلى الانجاب المبكر وعدم الحد منه بل أن انجاب أكبر عدد من الابناء وخاصة الذكور يعد حسب التقاليد مفخرة للابوين امام الجميع .. أورد الكاتب العربي اليمني صلاح البكري في كتابه " في جنوب الجزيرة العربية " الصادرة في مصر عام 1949م . ان عدد سكان يافع بلغ – حينذاك – حوالي 140 ألف نسمة , وللعلم أن صلاح البكري عليم بأمور المنطقة لأن آبائه يمنيين هاجروا من يافع إلى اندنوسيا , وفي كتاب لأحد الباحثين المصريين عن اليمن أعده في النصف الأول من الستينيات ورد أن سكان المنطقة يبلغ تعدادهم 180 ألف نسمة .

    ومع أنه يستبعد أن يكون الاحصاء الوارد دقيقاً الا أنه يدل على مؤشر اكتظاظ المنطقة بالسكان نظراً لأن ما كان يسمى حينها بالجنوب اليمني لم يتعد عدد سكانه الاجمالي المليون والربع مليون نسمة .

    والهدف من ايراد الارقام للكثافة السكانية المتزايدة في المنطقة هو الأكيد على وجود تناقض حاد فيما بينها , من جهة , وبقاء الاراضي الزراعية عند مستوى محدوديتها بسبب عدم بناء مدرجات زراعية جديدة نتيجة لقلة التربة وضيق المساحة , من جهة أخرى .. هذا التناقض ظل عاملاً مؤثراً رئيسياً في حياة المنطقة منذ عهود غابرة قد تمتد إلى ألفين عام مضت , وشكل دافعاً للانتقال في أرجاء اليمن وخاصة إلى مناطق لحج وحضرموت وأبين والهجرة إلى خارج اليمن وبالذات إلى الجزيرة العربية وشرق افريقيا والهند وباكستان واندنوسيا وسنغافورا وغيرها من بلدان العالم .. والواقع أن استعراض هذه الحالة يعطي نموذجاً للاوضاع التي عاشتها الكثير من مناطق اليمن وأدت  باليمنيين إلى الانتشار في أرجاء المعمورة سعياً وراء توفر متطلبات الحياة الاساسية بسبب من الفقر والرقعة الزراعية المحدودة .

    واذا استمرينا في تناول هذا ( النموذج اليمني ) فلسنا بحاجة إلى دراسة ظاهرتي الانتقال والهجرة التي كثرت , سواء بسبب من التناقض الذي أوردناه آنفاً , أو بفعل العوامل الطارئة وخاصة حدوث الجفاف في اواسط اليمن أحياناً أو المتغيرات السياسية كتلك التي حدثت اثناء توسع الدولة الحميرية وتفسخها والفتوحات الاسلامية وصراع الدويلات اليمنية … الخ لكننا نهدف من كل ما ذكر توضيح مسألتين هامتين ترتبطان بركود واقع المنطقة وبقاء النظام القبلي قوياً فيها وهما :-

    أولاً : - الظروف الاقتصادية الصعبة والمعقدة للمنطقة كانت عاملاً جوهرياً في بقاء الاوضاع الاجتماعية والسياسية متخلفة على ما هي عليه دون تبدل أو تغير أساسي.

    ثانياً : - الحالة الاقتصادية والسياسية للمناطق التي يتم الانتقال اليها في اليمن أو حتى تلك البلدان في ارجاء المعمورة كانت تتسم بالعلاقات القبلية والاقطاعية والبدائية وكانت اليمن كلها بما فيها المنطقة مليئة بالاقتتال والحروب . وبذلك لم يؤديا الانتقال والهجرة إلى تقدم المنطقة بل اديا إلى بقاء النظام القبلي فيها متماسكاً عبر زمن طويل وجاء تأثير الهجرة ضعيفاً غير قادر على احداث تغيير , وجاء تأثير الانتقال في نطاق الوطن اليمني سلبياً ايضاً للشعور بالحاجة المستمرة إلى النظام القبلي لحماية المنطقة من أي غزوات قبلية أو طائفية .

    والواقع أن الامور بقيت على منوالها هذا إلى أن ظهرت الحركة الاصلاحية في المنطقة لتبدأ التحرك الفعلي بعد أن ايقظتا ثورتي 23 يوليو المصرية 1952م و26 سبتمبر اليمنية 1962م المشاعر والافكار ثم جاءت ثورة 14 أكتوبر 1963م . ليبدأ العمل الفعلي لوضع اسس جديدة لواقع الانحاء الجنوبية من اليمن , وكان لطرد الاستعمار البريطاني من جنوب اليمن في الثلاثين من نوفمبر 1967م وقيام الدولة اليمنية الثانية في الشطر الجنوبي ( جمهورية اليمن الدمقراطية الشعبية ) الفضل في فتح عهد جديد لجنوب اليمن ومنه منطقة يافع التي كانت قلعة جبلية معزولة تماماً عن العالم على الرغم من الهجرة الواسعة والقديمة العهد لابنائها … فلأول مرة شقت اليها طرقا للسيارات وبدأ مد طرق فرعية تربط بين قراها المتناثرة بعد أن كانت الارجل والحمير والجمال وسائل الترحال والتنقل المتعبة … ولأول مرة دخلت الكهرباء إلى المنطقة لتضفي على حياة الناس الكثير من مظاهر المدنية والتطور والالتحام التدريجي بالعصر الحديث .. ولأول مرة جرى ضمان الحقوق الاساسية للمرأة قانونياً , هذه المرأة التي اضطلعت بالمشاركة الفاعلة في مختلف نواحي الحياة في المنطقة منذ القدم ابتداء من الاعمال المنزلية الشاقة وانتهاء بجمع الحطب واشغال فلاحة الارض بأنواعها , وهي التي لم تعرف الحجاب ( الشرشف ) لكن وضعها ومكانتها الاجتماعيين ظلا ادنى من الرجل كالحال في سائر انحاء اليمن بالرغم من دورها الهام في الحياة الاقتصادية للمنطقة .

    والجديد الهام جداً في التغيير الجذري الشامل في اوضاع المنطقة هو بسط سيادة القانون , واقامة المحاكم الجزئية , والعمل بأنظمة مساواة جديدة لا تفرق بين سلطان وعبد , أو شيخ وقبيلي , وأصبح كل المواطنين سواسية في الحقوق والواجبات .. وكل هذا شكل وجوداً اولياً لأشكال تواجد سلطة الدولة في المنطقة وذلك لاول مرة في تاريخها فمنذ نوفمبر 1967م بدأت المحاكم الجزئية بالعمل ومنذ سبتمبر 1967م كان قد وجد مركز قيادة اداري سياسي للمنطقة . وشرعت لجان الاصلاح ولجان الارض ولجان المبادرات في تلك الفترة في تحديد نظم وأساليب حياة جديدة في المنطقة .

    ومن الأهمية بمكان الاشارة إلى أن الانظمة والقوانين المركزية التي انزلت تباعاً على ارضية المنطقة لم تواجه بأي معارضة جماعية تذكر ما عدى بعض التمردات الفردية الفوضوية النادرة الحدوث … وبشكل عام وجدت ترحيباً حقيقياً من قبل ابناء المنطقة الذين لم يشهدوا قط نظاماً للدولة بل تعودوا في حياتهم كلها على النظام القبلي اللامركزي وأعرافه وتقاليده , ولعل هذا جدير باهتمام أكبر من قبلنا في موضع آخر قادم في الكتاب بيد اننا نؤكد هنا أن تقبل الناس لاشكال واساليب ادارة الدولة للمجتمع جاء ميسرأً على عكس توقعات الكثير حينها , بل ومعاضداً ومدعماً للجديد القادم بسبب كره الناس ومعاناتهم من سلبيات الحياة القبلية الماضية التي جاءت كافرازات طبيعية للجزء الخاطئ من العادات والتقاليد والاعراف القبلية ..وفي نفس الوقت فإن الجزء الايجابي الصائب من تلك العادات والتقاليد القبلية الذي يحمل مضامين انسانية عميقة كالمساواة وعدم الانصياع للظلم وحب الخير وغيرها , مما اسهم في وجود حالتي تفهم وتقبل لدى الناس بدلاً من تصارع القبائل وتطاحنها مع بعضها , والتخلي عن حالة التخوف التي كانت تنتابهم عندما كان يدور الحديث عن الخضوع لسلطة دولة تعطي اوامرها من خارج المنطقة وهم الذين قاوموا بعنف أن يخضعوا هم ومنطقتهم سواء لدولة الامامة لاسرة آل حميد الدين في شمال البلاد أو للدولة الاستعمارية الاوربية ( البريطانية ) التي وضعت انيابها على جنوب البلاد .

    وخلاصة لما ورد فإن عام 1967م . كان العام الفاصل بين مرحلتين في حياة المنطقة , مرحلة ما قبله وهي حياة لم تتعد طابع العيش في القرون الوسطى , ومرحلة ما بعده وهي حياة الخروج من غياهب الماضي وبدء الولوج إلى حياة العصر المتقدمة .

يتبع



تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 16 ابريل 2012 الساعة: 07:03 ص

الثلاثاء، 10 مارس 2015

المقدمة - كتاب جبهة الاصلاح اليافعية1

كتاب جبهة الاصلاح اليافعية1



كتاب جبهة الاصلاح اليافعية  
تأليف : مندعي ديان - سالم عبدالله عبدربه
الطبعة الاولى 1992م



بسم الله الرحمن الرحيم

          مقدمة

    تاريخ الثورات والثوار وكذلك الاصلاح والمصلحين يسجل بعد فترة زمنية كافية للحكم عليه واطلاق التسميات عليه وفقاً لنتائج ومدلولاتها لحقبة .. ولكنه يسجل ايضاً على ضوء الوثائق الوقائع والمذكرات وسرد الحوادث التي يقوم بها صناع تلك الاحداث او معاصروهم , والمؤرخ يستند على تلك المعطيات والا لما توفر له شيء للكتابة عنه .

    وفي عصرنا الحديث , وفي العالم العربي لم تهمل أي حركة او ثورة كما أهملت أو تجوهلت احداث ثورتي 26 سبتمبر و14 اكتوبر اليمنيتين .. ولقد كان للتخلف الذي عاشه اليمن تحت حكم الامامة والاستعمار دور كبير في هذا التجاهل الاعلامي والتسجيلي مع أن ثورة 26 سبتمبر جاءت في ظل حالة انهزامية عربية كبيرة من جراء الانفصال السوري عن الجمهورية العربية المتحدة وثورة 14 اكتوبر كانت ثاني ثورة مسلحة بعد ثورة الجزائر تخوض حرباً تحررية شعبية ضد الوجود الاستعماري في الوطن العربي … ولكن لاسباب عديدة لم تحظى الثورة اليمنية بنفس ما حظيت به أحداث تاريخية أخرى من اهتمام من قبل الاعلام والكتاب العرب .

    هذا الكتاب أحدى الخطوات الجادة لكتابة تاريخ الثورة اليمنية , فهو يسهم في تسليط الاضواء على أحد الاطراف المكونة للجبهة القومية التي قادت نضال شعبنا اليمني ضد الاستعمار الاجنبي حتى تحقيق الاستقلال الوطني لاجزاء الوطن التي كانت محتلة , وهو ليس تسجيل للثورة بكل ابعادها ولكنه جزء من العملية الكاملة لثورة 14 اكتوبر .

    عندما بدأت الفكرة كان الاخ سالم عبدالله عبد ربه وهو المعايش للاحداث متردداً لان تكوينه النفسي لا يقبل بتجزئة الحقيقة او تلميعها وبالتالي كان لا يريد أن يسحب البساط من تحت من يدعون الاسهام في حركة الثورة أو بطولاتها ولكنه في نفس الوقت يختزن كماً هائلاً من الوثائق والمعلومات .. وكان لاستشهاد اعزاء له في الكفاح المسلح ورفاق له في الجبهة خلال الفترة الماضية اثره الكبير في الموافقة على البدء بتسجيل الاحداث , وكان لابد من الكاتب الذي يملك الموهبة والصبر والجلد للإعداد والتحضير والمتابعة وتحمل مشاق العمل والكتابة .. وهكذا اتفق الاخوان سالم عبدالله عبد ربه ومندعي ديان الذي خبرناه طويلاً في العمل الكتابي الادبي , ثم الصحفي , وكذلك في نفسه الطويل في الاعداد والمتابعة والتحليل ..وبدأت مسيرة الكتاب منذ أكثر من عامين ونصف , وقد اعطى لها الاخ مندعي ديان بعداً كبيراً بالبحث عن الحقيقة عند معظم الاطراف وفي البحث بين الاوراق والوثائق الكثيرة والعودة الى من عايشوا الفترة الزمنية ذاتها والعارفين بتاريخ المنطقة القديم ومعظم ما كتب ونشر عن المنطقة وتاريخها .. وكان نتاج ذلك هذا الجهد الطيب الماثل في صفحات الكتاب .

    إن ماهو بين يديك – عزيزي القارئ  - قد يثير عدداً من الملاحظات والنقد والفرح . الغضب !! .. ولكن ما يهم هو أن هذا الكتاب يستنفر كل المناضلين في اليمن عامة وفي جبهات القتال الاخرى ضد الاستعمار خاصة الى كتابة ذكرياتهم وآرائهم حتى تتشكل من خلال ذلك حصيلة قيمة امام المؤرخين في المستقبل لكتابة تاريخ الثورة اليمنية والنضالات المشرفة للشعب اليمني من اجل الحرية والتقدم .

    عندما تتداعى الذكريات لا أنسى أول اللقاءات مع الاخ سالم عبد ربه ورفاقه في الجبهة وحماسهم وكذا تأثير هذه البداية على ابناء يافع وتأثيرها على نشوء الوعي القومي في المنطقة وبدء الاعتزاز بالبدايات الصغيرة .. ولا يستطيع أن يفهم هذه البدايات الصغيرة – الكبيرة جيداً الا من عاش أوضاع يافع في تلك الفترة حيث لا تعرف اغلبيتها المطلقة ماذا تعني الكهرباء أو المذياع أو الصحافة أو المياه النقية وغيرها من الاوضاع البائسة التي لا يعرف بؤسها تلك الايام الا من هاجر الى عدن أو خارج اليمن ولكنه لا يستطيع أن يشرحها لمن لم يرها خوفاً من اتهامه بالجنون لصعوبة تصور حقيقة ذلك .. كانت قريتنا في حرب قبلية مع قرية سالم عبدالله ولكن لم يمنعنا هذا من أن نلتقي وهو يعي – وأنا أيضاً – أن أي من الرؤوس الكبيرة لو علمت لكمنت لأي منا وقتلته وفاء لقانون القبلية ولكنها روح البدايات العظيمة التي لا يقف الخطر عائقاً أمامها .

    عرفت الأخ سالم عبدالله ناكراً للذات محباً للعمل الجماعي فهو لا ينسب لنفسه الاحداث وحيث شارك يتحدث باستحباء عن ذلك وستلاحظ – عزيزي القارئ – هذا من خلال الكتاب .. أما الاخ مندعي فهو الذي اعطى جهداً لا يستهان به , واصدقكم القول إنني لم احلم بأن يخرج هذا الكتاب بهذا الصورة الجميلة والمكثفة فقد كنت أتصوره أقل بكثير من هذا .

    ماذا عن الكتاب نفسه ؟

    لا أود أن اوجه اهتمامات القارئ أو أن احدثه مقدماً عن أمور لم يطلع عليها بعد , ولا أحب أن اضع هنا استخلاصات ونتائج أو احكام , اراها من وجهة نظري صحيحة ومناسبة , فالقارئ وحده فقط يستطيع الحكم على الكتاب من حيث الجهد والمحتوى والمؤرخ يستطيع الحكم عليه من حيث الدقة والصواب .. ولكن لي كلمة فقط اتمناها :.. إن كل من شعر بأن الكتاب لم ينصفه أو من يعتقد أن دوره قد تم التقليل منه فبالقلم والجهد يستطيع أن يثري محتويات هذا الكتاب الكثيرة وليس تسجيل التاريخ حكراً على أحد ولكنه جملة من الجهود الجماعية والتدوين الذي يساهم فيه افراد كثيرون وجهات عدة .. والحقيقة وحدها هي التي تسود في النهاية .

محمد أحمد سلمان
عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي ايمني
وزير الاسكان والتخطيط الحضري
صنعاء 12 نوفمبر 1990م



مقدمة المؤلفين

    هذا الجهد الذي بين يديكم حصيلة اربعة اعوام من العمل المشترك بذلنا خلالها كل ما استطعنا من عمل وتفكير .. بدءاً بفرز الوثائق والتدقيق بمحتوياتها واعادة تذكر الوقائع والاحداث ثم الكتابة الاولى استناداً ايضاً الى جملة من الكتب والمراجع .. واعاننا بالمعلومات والملاحظة كثير من المشاركين في الاحداث أمثال : محمد عبدالرب جبر , ومحمد ناصر عبده أحمد ( جابر) . وصالح قاسم علي , وأحمد قاسم راجح وآخرون .. وكذا عدد من المطلعين والمهتمين بتاريخ المنطقة أمثال : محمد عبداللاه البشع , وعلوي أحمد بن سليمان , ونصر صالح بن سبعة وأخرون . ونقدم الشكر لهؤلاء وغيرهم ممن تعانوا معنا في اغناء مضامين الكتاب ووضعه في صيغته النهائية .

    فضلنا أن تقسم الكتاب إلى اربعة اقسام : الأول تعريف بالمنطقة والنظام الذي ساد قديما فيها والمقدمات التاريخية العامة لظهور حركة الاصلاح المنظمة , ورأينا ضرورة ذلك اذ لا يمكن التحدث عن منطقة يجهل اوضاعها السابقة معظم القراء ولا يعرفون الواقع القبلي الذي نشأت ونمت فيه الفتن والحروب القبلية , وخصص القسم الثاني من الكتاب للعمل الاصلاحي العلني , بداياته ونموه وتوسعه , والمصاعب التي واجهته مع قراءة لبعض الوثائق النقدية للجبهة الاصلاحية وقراءة للاشعار المعبرة عن ظروف وتطلعات تلك المرحلة التاريخية المعنية ثم استعراض ادبي للمنطلقات الفكرية لجبهة الاصلاح اليافعية مستندين على اعداد من جريدة " الاصلاح " التي كانت عوناً طيباً لنا .

    أما القسم الثالث فخصص اساساً للعمل التحرري للجبهة الاصلاحية , وهو يسلط الاضواء على جوانب عدة من تاريخ " الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل " في المنطقة وخارجها , ولكن بتركيز على دور الجبهة الاصلاحية كشعبة للجبهة القومية في المنطقة مع عدم اغفال أو اهمال الاطر أو الاشكال الاخرى لعمل الجبهة القومية في المنطقة ..ومع ان نصوص الكثير من الوثائق او اجزاء منها جاءت في سياق اقسام الكتاب الثلاثة الاولى الا ان الضرورة استدعت أن نخصص القسم الرابع للوثائق الواردة سابقاً والتي لم تورد وهي اكبر بكثير من سابقاته , وترد في نفس القسم صور يزيد عمرها عن 25 عاماً .

    طبيعي أنه لا يمكن تقييم محتويات الكتاب الا بعد القراءة المتأنية له ولكن يمكننا القول , منذ البداية , اننا ما هدفنا من وضع الكتاب شهرة منطقة " يافع " فنفس الكتابة لا يقع في مطب المناطقية والتحليلات وطرق التناول تنم عن محاولة لدراسة النظام القبلي في اليمن والنواة الاصلاحية فيه بل ووضع لبنة باتجاه ذلك , وتأريخ ظهور منظمة اصلاحية سياسية في ظل واقع قبلي معقد تنعكس من خلاله الاوضاع  والارهاصات التي شهدها مجتمعنا اليمني في بداية الستينات .. والكتاب ايضاً لبنة في بناء تاريخ الجبهة القومية الذي لم يرتفع خلال الفترة الماضية .

    والكتاب لا يهدف ايضاً إلى شهرة اسماء معينة لاننا وضعنا الاحداث ومدلولاتها نصب اعيننا ولم نورد الاسماء الا حيث اقتضى الامر .. جاء حجم الكتاب أكبر مما كان متوقعاً . ولعل حرصنا على مخاطبة القارئ اليمني في كل بقعة من اليمن الحبيب بما يفيده دفعنا إلى تعميم المعلومات والتحليلات كمحاولات فهم الحياة القبلية والسلطة في المجتمع القبلي واسباب الفتن والحروب القبلية والاعراف والعادات والتقاليد المتصلة بها , وكذا الوسائل والاساليب التي اتبعتها الجبهة الاصلاحية التي قمنا بتوضيح توجهاتها الفكرية القائمة على نبذ القبلية والتحرر من الاستعمار وتحقيق وحدة الوطن اليمني .

    عبر ما أوردناه آنفاً لا نقصد الترويج للكتاب على صفحاته الأولى ولكنها دعوة صادقة وأمنية للقراءة المتمعنة الخالية من أي احكام مسبقة , ايجابية كانت أو سلبية , فهذا الاسلوب وحده وهو الكفيل بنيل المتعة والفائدة ,, وبعد ذلك يمكن ابداء أية ملاحظات كانت فنحن لا ندعي الكمال فيما عملناه ونفتح صدورنا للكل لاضافة معلومات جديدة أو اسماء لمشاركين اساسيين في حدث أو هيئة ما ذكرنا اسماء القائمين به أو العاملين فيه , أو احداث ووقائع تأتي في سياق مواضيع تناولناها ولم نذكرها لعدم تمكننا من الحصول عليها , أو حتى تزويدنا بأي ملاحظات تصلح من اخطاء وقعنا به هنا أو هناك .. هذا كله لا يعني التنصل من جدية البحث والكتابة ولكنه يرمي إلى دراسة كل الملاحظات التي نأمل أن تصلنا وغربلتها والاستفادة منها في تحسين محتويات الطبعة اللاحقة .

    ولابد من الاشارة هنا إلى اننا اعتمدنا اسم " جبهة الاصلاح اليافعية " , الاسم الاساسي للجبهة الاصلاحية المعبر عن كامل تاريخها العلني والسري , والاصلاحي والثوري , وبما يتطابق مع مادة بحثنا في الكتاب .. ولم نعتمد اسم " جبهة ابناء يافع الاصلاحية " لإنه يعبر عن النشاط الاصلاحي العلني فقط , وسيكون ذلك واضحاً بما فيه الكفاية من خلال الاطلاع على شقي أو اتجاهي عمل الجبهة الاصلاحية الذين لا ينفصل أحدهما عن الآخر .

    في الأخير نأمل أن نكون وفقنا لما فيه فائدة ومنفعة المؤرخين والباحثين والمهتمين والقراء جميعاً وبما يصب في مجرى تأريخ اليمن المعاصر .. ولا يفوتنا – هنا – إن نعبر عن شكرنا للأخ محمد احمد سلمان صاحب فكرة تعاوننا في هذا العمل وكنا عبرنا عن تقديرنا له بأن طلبنا منه وضع مقدمة الكتاب .


المؤلفان

يتبع 


تم نشرها من قبل في مدونة مكتوب / الياهو بتاريخ 15 ابريل 2012 الساعة: 07:04 ص